عندما يلعب المضطهدون كرة القدم

عندما يلعب المضطهدون كرة القدم

نحن في إفريقيا طوال الوقت نتحدث عن كرة القدم، لأننا لا نستطيع أن نتحدث في السياسة. نحن نختار الفرق التي نشجعها إلى أن نموت، لأننا لا نستطيع أن نختار رؤساءنا. نحن ننتقد بكل قسوة، وأحياناً بكل وقاحة حكام المباريات، لأنهم لا يملكون القدرة على أن يسجنوننا. ولهذا نحن نعشق كرة القدم، لأنها تجعلنا نعيش.

 

خلال ستين عاماً في إفريقيا، لم تبتعد الكرة عن السياسة، ولم تتوقف السياسة عن الاضطهاد، وإذا لم يكن بيد المستعمر، فبيد السلطة الحاكمة. فلقد خلف الاستعمار وراءه العديد من الجنرالات والشيوخ والمتأنقين لكي يحكموا باسمه، فتحولت كرة القدم من حلم إلى سلعة، ومن بهجة إلى تعصب. لكن ذلك كله لم يمنع الشعوب الإفريقية، عاشقة تلك اللعبة، من صناعة البهجة بنفسها.
أسسوا أندية من عمال المناجم. ومن مريدي المقاهي، ومن القبائل، ومن طلبة المدارس، ومن رهبان الإرساليات، ومن عمال الترام، ومن سائقي السيارات. من الفلاحين. وصيادي السمك. عمال مصانع الإسمنت. المنبوذين. المرضى. لم يتركوا أية فئة كان يأكلها اليأس من عدم لعب كرة القدم إلا وقاموا بمنحهم كرة يلعبون بها، وكأساً يتنافسون عليه. لقد منحوا أنفسهم القدرة على صناعة جماليات اللعب.
الأفارقة هؤلاء المتألقون في فهم الطبيعة، وتعلم الدروس منها. تعلموا من قطعان الحيوانات في الغابة أنهم لا يجب أن يسيروا منفردين كي لا يتم اصطيادهم. كانوا في لعبهم، فوزهم، خسارتهم، جماعات. لا يسيرون فرادى أبداً. لذلك أحبوا تلك اللعبة التي لا يمكن أن يلعبها أحد منفرداً، إنها لعبة لا يمكن أن تلعب من دون إحدى عشرة قدماً سوداء.
يصدر قريباً عن دار الطليعة الجديدة كتاب «إحدى عشرة قدماً سوداء، عندما يلعب المضطهدون كرة القدم» لمحمود العدوي.