الفرات بين نبضين..
لم تمض أشهر قليلة لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة، على استضافة المركز الثقافي في أبي رمانة لأمسية شعرية وغنائية، بعنوان نبض الفرات، حيث قدم فيها عدد من الشعراء من أبناء محافظة دير الزور، حوالي 20 قصيدة تناولت معاناة أهالي دير الزور من الحصار وهيمنة التنظيم الفاشي التكفيري داعش، وكذلك قدم الفنانان المطربان عبد الوهاب الفراتي وحسين حدواي عدة أغانٍ، تعبر عن ذلك، ناهيك أن طبيعة الغناء الفراتي الذي يتسم بالدفء والحنية والحزن، نتيجة عوامل البيئة الصحراوية، وفيضان نهر الفرات الذي كان ينشر الموت وبالتالي المآسي، وذلك كان سبباً لتقديم القرابين والمناحات الجماعية الممتدة منذ آلاف السنين، وكادت أن تتحول الأمسية إلى مناحة جماعية، وقد غطت قاسيون الأمسية إعلامياً وفنياً.
نبض الفرات 2نبض الحياة
إذا كان نبض الفرات 1 يعبر عن غصة الحصار، فإن نبض الفرات 2 عبر عن البهجة في فك الحصار وبدء الدحر النهائي للتنظيم الفاشي، كما عبر عن ذلك الشاعر أسامة الحمود بقوله: زرعت الورد في كفي وأهديت الشذا للطيرِ
وشارك في الأمسية الشعرية عدد كبير من الشعراء، وغالبيتهم ممن لم يشاركوا في الأمسية السابقة، وهذا ليس غريباً فأحد أسماء دير الزور المشهورة (دير الشّعّار) لكثرة الشعراء فيها.
عودٌ على بدء؟
كانت بداية الأمسية، مع الطفل ياسين الحاج حيث قدم كلمات مرصوفة لكنها ليست شعراً، اقتصرت على المديح والتمجيد السياسي، ثم قصيدة شعبية خطابية للضيف منير عبد الكريم. ثم قدم الدكتور الشاعر أسامة الحمود عدة قصائد تميزت بمعانيها وشاعريتها وإيقاعها وإلقائها كالحائية: يا ربّة الصبر، وأخرى عن نهر الفرات: أيلول عاد ونبض البشرى معه. أمّا الضيف الثاني فهو الشاعر محمد عبد الحدو، وقد شارك أيضاً في نبض الفرات 1 كضيف استهلها بمقدمة: يا دُرّة الدير يا وشوشة الشيحِ، ثم قصيدة يا دمشق والشام، ولعل الأكثر تميزاً قوله: يا أيها الشرفاء قوموا.. أوقفوا نزف الدماء، ثم أكد: قصيدتي لم تكتمل ما دام فيها غبار وغازٍ، وختم بصرخة الشعر معبراً أن عروس الفرات تعيش انتصارها عبر تساؤل يبعث التفاؤل:
جاوبِني فالليل عندي بهم... وصباحي تطيب فيه الكروم
هو ذا الشعب لا إرادة إلاّ... للشعب وقوله محسوم
وقدمت الشاعرة أمل المناور، وهي من مدينة العشارة في ريف الميادين، أنا والفرات ودير الزور بقولها:
فأنا الجميلة بين أقــــراني ولكني في الدير أجمل
قلبي ضعيف كلما قالوا له يا بنت دير الزور يجفل
وألقت القصيدة الشعبية الغزلية أهواك، وكانت متمكنة من اللهجة الشعبية والإلقاء.
وألقى الشاعر هشام سفان قصيدة (عشقٌ فراتي)، عبر فيها عن أن الفرات أبجدية سرمدية منقوشة على جدار الخلود تميزت بمعانيها وصورها الفنية، بينما القصيدة الثانية أرض الطهر لم تكن بالمستوى ذاته.
الشاعرة صبا بعاج التي شاركت في النبض الأول، قدمت قصيدة شعبية غزلية بعنوان عطش، وشاركت من بين الجمهور في رديات غزلية أبوذية وموليا على الشاعر الرّقي عبد الكافي خلف، الذي قدم قصائده بالشعر الشعبي، منها سورية، وكذلك أبياتاً من الموليا الفراتية التي حاول أن يؤكد أنها رقاوية، واتبع فيها أسلوباً جميلاً ومعبراً حيث كان يبدأ البيت بالكلمات التي ينتهي بها البيت الذي قبله معنىً ولفظاً، كما تميز بإلقائه المتميز وتمكنه من اللهجة الشعبية وصوته الجَهَوري ناهيك عن معاني التفاؤل وتحدٍ للموت، كقوله: حياتي كلها أمل... وإن كامت الجيامة، أي: حتى ولو قامت القيامة.
أما الشاعر الشعبي والغنائي مزاحم الكُبُع فقد كان نجماً بقصائده ومعانيها وبإلقائه القوي، وتغنيه بالوطن كقوله: الوطن يا صاحبي قصة عشق مفضوح.
وأخيراً قدم الشاعر الشعبي الرقي الآخر محمود شحاذة قصيدة بعنوان سورية، وأخرى بعنوان شدو الهمة كانت مباشرة ومديح سياسي أكثر مما هي شعر.
مسك الختام غناء وموسيقا
كان مسك الختام مع الفنان عبد الوهاب الفراتي، حيث قدم عزفاً منفرداً على العود سلطن فيه كما يقول المطربون، وقدم الموليا الفراتية، وأغنية: والله لا نرجع عالدير، مؤكداً تمسك أهالي الفرات بمدينتهم ونهرهم، كما قدم أغنية: يا بو ردين المشهورة للمطرب الفراتي ذياب مشهور والتي انتشرت في أواخر الستينات، وبناءً على طلب الحضور أغنية: ما بيا أعوفن هلي قلبي نسيته هناك، للمطرب العراقي حسين نعمة.
الإعلام الغائب.!؟
غابت غالبية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، رغم توجيه الدعوات لها من قبل إدارة المركز، التي اعتبرت أن الأمسية هي تعبير عن موقف وطني وليس ثقافياً فقط، لارتباطها بفك الحصار عن دير الزور ودحر التنظيم الفاشي التكفيري داعش، وأبدت استياءها من ذلك.!
على الهامش
تغيب عن الأمسية شاعران، منهم الشاعر الغنائي الشعبي المشهور عبد الناصر الحمد الذي غنى له العديد من المطربين ومنهم المطرب العراقي سعدون جابر: عشرين عام انكضت، بداعي السفر، وكان يمكن تدارك ذلك، كما تغيب الفنان الفراتي جمال دوير.
الجمهور كان نجم الأمسية سواء بنوعية الحضور وكثافته وحتى بمشاركته في الغناء مما عكس أجواء البهجة التي انتشرت نتيجة فكّ الحصار عن دير الزور.
كانت مشاركة شعراء من الرقة قيمة إضافية للأمسية، وخاصةً أن التراث الأدبي والثقافي والفني والشعبي هو واحد على ضفاف الفرات من منبعه إلى مصبه، الذي يعكس ترابط المنطقة، وليس كما تحاول القوى الظلامية والاستعمارية تفتيتها.
شكراً لإدارة ثقافي أبي رمانة، ويحبذ في المرات القادمة أن يكون عدد الشعراء أقل لإتاحة الفرصة للجمهور أن يبدي رأيه، وأن يوزع الغناء بين إلقاء الشعراء، لكسر الرتابة والملل، وأن يقوم المطرب بالتعريف بالأغنية ومقامها وبحرها وإيقاعها لنشر الثقافة الفنية، إضافة لمتعة الاستماع.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 829