جَدتي الأرمنية!!
قد يثير العنوان استغراب البعض إذا ربطه مع كاتب المقال؛ فالكاتب يشير اسمه إلى أنه مسلم فكيف تكون جدته أرمنية؛ لهذا المقال قصة تعود إلى تاريخ إبادة الأرمن من القوات التركية في عامي 1915و1916؛ حيث استقبل جدي الشيخ (محمد العبيد الهلوش) عشرات من الأرمن الهائمين على وجوههم في منطقة تل الحمدي على نهر الجغجغ إلى جنوب مدينة القامشلي؛ وقدم لهم الطعام والشراب والمأوى على بساطة مستلزمات العيش في ذلك الوقت، وقد تزوج واحدة من النساء الأرمنيات من ضحايا الدولة العثمانية آنذاك وأنجب منها ولداً وبنتاً؛ حيث قدم للهاربين من بطش الأتراك المنظم ما يضمن لهم حياة كريمة تضمن لهم العيش بعيداً عن الرعب والدمار الروحي والأخلاقي الذي مارسه العثمانيون وهم الذين يحكمون باسم الدين الإسلامي الحنيف؛ وقد أنكر الأتراك أي علاقة لهم بمجازر الأرمن فيما بعد؛ ولكن من خلال تتبع بعض المصادر التاريخية يتبين لنا حجم الكارثة التي أرتكبها بنو عثمان ضد شعب يعتبر من أقدم الشعوب في المنطقة وقد حافظ على تقاليده ولغته وبرز في احتراف عدد من الصناعات.
يُذكر أن القوات العثمانية اتهمت الأرمن بوقوفهم إلى جانب أعدائهم في الحرب العالمية الأولى؛ لذلك انتقموا منهم بإبادة أكثر من 1،5 مليون مواطن أرمني. فيما تقول أنقرة أنها مجرد «تشريد» للأرمن عقاباً لهم على تمردهم المسلح في الحرب العالمية الأولى؛ يذكر أنَّ السلطان العثماني الذي تمت الإبادة في عهده هو عبد الحميد الثاني كانت أمه أرمنية؛ لم يعارض المجازر المرتكبة بحق الأرمن في مدن الدولة العثمانية الكبرى كلها تقريباً من طرابزون إلى اسطنبول لتعلن أنقرة بداية التيه الأرمني في العالم.
وقد روى لنا بعض كبار السن ممن سمعوا قصصاً من أبائهم عن مأساة الأرمن؛ حيث كانت إحدى النساء الأرمينيات على وشك الزواج في تركيا ولكن القدر منعها من إتمام ذلك الزواج بسبب المذبحة وتزوجت في سورية من غير ملتها؛ وهناك أم لطفلين عجزت عن حمل طفليها من تركيا باتجاه سورية وهي تسير مع مجموعة من الأرمن بمحاذاة نهر الجغجغ هاربين من بطش الأتراك وكانت تترك أحد أطفالها وراءها وعندما تبتعد عنه يبدأ بالبكاء ترجع إليه ولكنها لا تستطيع حمله وتتركه مرة أخرى ويعود للبكاء وترجع إليه وهكذا استمر المشهد الدرامي لمدة من الزمن وفي المرة الأخيرة عادت إليه وهي تريد اللحاق بالقافلة المتجهة إلى الأراضي السورية وعندما عجزت عن حمله قامت بضمه إلى صدرها لعدة دقائق نظرت إلى السماء وصرخت صرخة قوية وصلت إلى السموات السبع وقامت بإلقاء طفلها في النهر ولحقت بالقافلة وبعدها بأيام فقدت عقلها؛ لقد جرد الأتراك المواطنين الأرمن من كل ممتلكاتهم وأموالهم وآمالهم فهل حان الوقت لكي يعترف الأتراك بما ارتكبوه بحق مواطنين أتراك ويتم تعويضهم مادياً والاعتذار لهم علناً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 542