من التراث «إذا جاء نصر الله والفتح»

حقاً لقد جاء نصر الله بالفتح المبين ليقول للعالم أجمع إن سلاح الإرادة والرغبة الحقيقية بالمواجهة هو الأجدى والأقوى عند اختلال موازين القوى.
في كل الحروب القديمة والتي خاضها العرب والمسلمون لم تكن الموازين متناسبة، لقد هزموا أغنى وأعتى الدول بالإرادة وروح الاستشهاد (الروم والفرس والتتر والفرنجة والفرنسيين والإنكليز).

في هذه الحرب الأخيرة (الوعد الصادق) سطّر المقاومون ملاحم بطولية مذهلة، وشجاعتهم كانت سبباً مباشراً في انتصارهم.
تعيدنا هذه الأيام إلى أيام مشابهة... حيث البطولة والتضحية والجلد، وما أشبه اليوم بالأمس. هذه هي «الخنساء» الشاعرة العظيمة بعد أن بكت سنين وسنين أخويها معاوية وصخر بأجمل الشعر وأرقه، تجمع أبناءها الأربعة يوم «القادسية» وقد طعنت بالسن لتحفزهم على النزال وتثبت أقدامهم في ساح الوغى، لتقول: « يا بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأةٍ واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، يقول تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون».
فإن أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين».
خرجوا في اليوم التالي عازمين على تحقيق آمالها، وفي أرض المعركة أنشأ أولهم يقول:
يا إخوتي إن العجوز الناصحة
قد نصحتنا إذ دعننا البارحه
مقالةٌ ذات بيان واضحة
فباكروا الحرب الضروس الكالحه
وإنما تلقون عند الصائحة
من آل ساسان الكلاب النابحة
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة
وأنتم بين حياة صالحة
وتقدّم فقاتل حتى استشهد
ثم هاجم الثاني الأعداء وهو يردد:
إن العجوز ذات خرمٍ وجلد
والنظر والأوفق والرأي السدد
وقد أمرتنا بالسّداد والرّشد
نيصيحةٌ منها وبراً بالولد
فباكروا الحرب حماةً في العدد
إمّا لفوز باردٍ على الكبد
أو ميتةٍ تورثكم عِزّ الأبد
في جنّة الفردوس والعيش الرغد
فقاتل حتى استشهد

ثم حمل الثالث على الأعداء وهو يقول:
والله لا نعصي العجوز حرفا
قد أمرتنا حرباً وعطفا
نصحاً وبراً صادقاً ولطفا
فبادروا الحرب الضروس زحفا
حتى تلفّوا جمع كسرى لفّا
والقتل فيكم نجدةً وزلفى
إنا نرى التقصير منكم ضعفا
أو يكشفوكم عن حماكم كشفا
فقاتل حتى استشهد

ثم جاء دور الرابع ليقول:
لست لخنساء ولا للأخرم
ولا لعمروٍ ذي السناء الأقدمِ
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم
ماضٍ على الهول خضمٍّ خِضِرمِ
فقاتل حتى استشهد
فلما بلغ الخنساء الخبر، قالت بشجاعة ما عرفها التاريخ: «الحمد لله الذي شرفني بقتلهم».

معلومات إضافية

العدد رقم:
279