حكيم مرزوقي حكيم مرزوقي

فنجان قهوة: ذاك الزمان

حتى الطقس صار يقسو وأنا الذي كان يعتقد أن هناك حياة أخرى على هذه الحياة، بت أعتقد جازماً الآن ألا راحة إلاّ في القبر وأظنني كما يظن نزيه أبو عفش أننا لن نخرج من هذا القبر إلاّ أمواتاً، لا شيء يغري بشيء كل ما من حولك يعجل بوفاتك.
تلوث يطال كل الحواس حتى السادسة.

الشمس التي عشقناها طويلاً وأقسمنا على انتصارها صارت عدواً بعد أن كنا نظنها قبعتنا الأولى والأخيرة.
الطرقات التي عشقناها قبل البيوت صارت أنهاراً من معدن نعبرها كالجراذين ونعتذر للسائق، سائقاً  كان أم مسؤولا.
الأرصفة التي كانت تدفئ أقدامنا الباردة أمست ضيقةً، منتهكة، مستباحة كأحلامنا.
أكشاك الجرائد التي نعشق الوقوف أمام ألوانها لا تختلف كثيراً عن أي         «كولبة».
الأصوات التي خلناها نشازاً جميلاً في سيمفونية مملة اكتشفنا أنها منوطة ومتفق على نشازها.
الكتب التي أخفيناها تحت ثيابنا وآنستنا في ليالي الوحشة طويلاً، اكتشفنا أنها تلك الحية التي أخفاها ذلك البدوي تحت ثيابه شفقة عليها ورغبة في دفئها.. لدغته عندما عادت إليها الروح.
الأشياء التي أحببنا بكارتها، عذريتها، وطزاجتها، اكتشفنا أنها ترتاد عيادات الرتق وبيوت البلاستيك.
العيون التي سحرتنا حوراً، وسبحنا فيها طويلاً حتى الغرق، اكتشفنا أنها محض عدسات لاصقة.
هكذا نحن دائماً .. نحن دائماً ديكة تعتلي مزابل التاريخ .. وتصيح في دجاجاتها لتنبش تراب السنين في البحث عن حبوب جافة لا تخضر أبداً، ما زلنا نقف خلف امرئ القيس نرسم رسماً وطللاً وحبيبة لم توجد إلاّ تحت عباءته المسمومة، ولكن سنظل نحن … نحن الذين لا تطرق أبوابنا إلاّ الفواتير والدائنون… لا تغازلنا إلاّ المرايا المهشمة … ولا تقبلنا إلاّ أمواس الحلاقة عند كل صباح ونحن نستمع إلى صديقنا سيد درويش «طلعت يا محلا نورها».

معلومات إضافية

العدد رقم:
179
آخر تعديل على الأحد, 18 كانون1/ديسمبر 2016 22:25