«قاسيون» في لقاء مع الكاتب الأديب ممدوح عدوان: ما تقدمه إذاعاتنا العربية وفضائياتنا خدمات ترفيهية
لا يتوقف نشاط الكاتب والأديب ممدوح عدوان عند مجال معين الأمر الذي يجعل أي تقديم أديب بنشاطه ودأبه ومكانته الأدبية أمراً صعباً، فنشاطه يمتد إلى مجالات تبدأ بالشعر، وتمتد إلى الرواية، المسرح، الصحافة، الدراسات الأدبية والنقدية والمتخصصة، الترجمة، إلى الدراما التلفزيونية.
ولا تتوقف نشاطات الأديب ممدوح عدوان عن متابعته الدؤوبة لأنشطة الشباب ونتاجهم، وبالرغم من غزارة إنتاجه في شتى المجالات إلاّ أنه دائماً قادر على تفجير الكثير من القضايا بين الحين والآخر إما عن طريق مقالاته في الصحافة السورية والعربية أو من خلال الطروحات التي يقدمها في كتبه أو من خلال كتاباته في الدراما التلفزيونية أو المسرحية، والتي يحمِّلها الكثير من المضامين والأفكار، وكان آخرها مسلسل «الزير سالم» الذي فتح الباب واسعاً لا على مناقشة الأفكار التي طرحها هذا المسلسل التلفزيوني وحسب، بل على تقنيات الكتابة الدرامية، والفلسفة التي يندرج ضمنها هذا النوع من الأعمال، الأمر الذي دفع به إلى تقديم مؤلف نظري حول هذا العمل وأهميته، فخرج بواحد من أهم الأعمال النظرية في مجال الدراما التلفزيونية، ومعالجتها.
وبعد أن أنهى كتابة عمله الجديد «أبو الطيب المتنبي» يقارب هذه النوعية من الأعمال التي من الممكن أن تفتح الكثير من النقاش والجدل من جديد، إلى جانب إصداره عدداً من الكتب خلال الفترة الماضية متنوعة في عدد من المجالات.
عن الأدب الدراما المسرح وواقع المثقف والثقافة العربية كان لنا معه هذا الحوار:
- بعد صدور رواية أعدائي وديوانك الشعري الأخير ما الذي سيأتي؟
أنهيت كتابة مسلسل «أبو الطيب المتنبي» دراما تاريخية عن قصة شاعر الخيل والليل برؤية معاصرة.
- هل تريد قول شيء ما من خلال معالجتك الدرامية لشخصية أبي الطيب المتنبي؟
طبعاً.. بالتأكيد لابد أن أقول شيئاً، وما أود قوله أقدمه بشكل درامي من خلال الشخصية التي تكون محور العمل الذي أعمل عليه.. وإذا كنت لا أنوي قول شيء فلماذا أكتب شيئاً مكتوباً وأقدم شخصا ًمعروفاً..
- إن اللغة الدرامية العالية التي تقدمها في أعمالك تُعمِل في داخلها الكثير من الرموز والإشارات كما أنك تقدم للمتفرج نوعاً جديداً غير الذي اعتاد عليه. فبعد تدميرك للبطل في الزير سالم وتقديمه كإنسان بالدرجة الأولى ها أنت في عملك الجديد تقترب من بطل آخر في مخيلة الناس، ألاّ تخشى ألاّ تصل هذه الإشارات إلى المتفرج العادي؟
الناس في بلادنا اعتادت على حل الرموز.. وحتى في الستلايت يقوم البعض بفك التشفير عن بعض القنوات الفضائية المشفرة.. عندنا الناس أذكياء.. لماذا نفترض دائماً أنه يجب أن تكون المعاملة معهم دائماً سطحية ومبنية على الوجبات السريعة دون تقديم أي بعد ثقافي في أي من الأعمال الدرامية التلفزيونية، وأنا أرى أنه من الغباء التعامل معهم على أنهم أغبياء، إنني أقدم بلغة الناس ولغة الناس يفهمها الناس.. ولغتي خاصة ولكنها لغة ناسي وأهلي.. والكل الحمد لله يفهمها والدليل، وأنا أعتقد أن رسائلي قد وصلت.. وأن الجمهور استلمها وآخرون امتعضوا منها.
- هل كان لتوجهك المبكر للعمل في المسلسلات والدراما التلفزيونية لثقتك بأن التلفزيون هو المجال الوحيد لتقديم الثقافة والفن مباشرة إلى الناس؟ وماذا حل باعتقادك بالمجالات الأخرى؟!
كل فن جيد يكون قريباً من الناس، كل ثقافة جيدة يتقبلها الناس، والرواية عندما تكون جيدة تكون قريبة للناس والسينما الجيدة والشعر الجيد والمسرح الجيد والبحث الجيد وكل ما هو جيد يلقى قبولاً ويدخل مباشرة إلى قلوب الناس…ولكن سبب استحواذ التلفزيون على الاتصال المباشر مع الناس هو وجوده في كل بيت وتنوعه.. وقلة كلفته.. بينما المجالات الأخرى باتت أكثر صعوبة… لدينا للأسف أزمة قراءة أساسها أزمة الكتاب والسبب اقتصادي.. فرغم الحسومات على أسعار الكتب في معارض الكتاب الكثيرة مازال من الصعب على المواطن اقتناء أكثر من كتاب كل شهر، لأن متوسط دخل الفرد خمسة آلاف ليرة وإذا أراد شراء عشرة كتب لدفع راتبه بالكامل..
- ألا يمكن نشر الثقافة إلا عبر الكتاب الذي تقول أنه أصبح بعيد المنال بسبب أزمة القراءة وأزمة الكتاب التي نعيشها؟ وما هي الوسيلة الأخرى غير التلفزيون الذي يقدم إلى جانب الثقافة كثيراً من التفاهات والتشوهات؟
نعم هناك وسائل أخرى الصحف الإذاعة وغيرها من المنابر، فلو قدمت الإذاعة كل يوم المتنبي ولمدة خمس دقائق لأصبح المتنبي شاعراً شعبياً ولحفظ الناس أشعاره.. ولو قدم برنامج يومي عن شكسبير وأعماله لأصبح فناناً شعبياً مثله.. لذلك من الضروري أن تقدم المنابر الثقافية خدمات ثقافية ولكن للأسف ما تقدمه إذاعاتنا العربية وفضائياتنا خدمات ترفيهية أكثر منها ثقافية.
- إذاً ما هو دور المثقف وأين تكمن فاعليته؟!
دور المثقفين يكون ممكناً إذا وجدت مراكز تستقطبهم وإذا أصبح بإمكان الأديب والفنان استخدام الكاسيت والمشاركة في الندوات والأمسيات لإيصال ثقافته ونحن ضمن هذه الشروط بحاجة لنشاط ثقافي منظم استثنائي تقوم به دور الثقافة الحكومية والخاصة، ولذلك فعلى اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة والمنظمات الشعبية أن تقوم بدورها الثقافي والمعرفي بشكل صحيح وأن يكون من أولوياتها إقامة التظاهرات الثقافية التي تستقطب مجموعات المثقفين والمفكرين العرب.. وتقدمهم للناس وتعرفهم بهم وبإنتاجهم.
ويكون دور المثقف هنا فعالاً إذا تجاوب مع هذه البادرات واستعد لتلبية تلك الدعوات والمشاركة في تلك النشاطات ولكن حين يرمي المثقفون الكرة بمرمى الآخرين يكون السبب أن الآخرين لم يستوعبوهم أو لأن الرقابة والعجز والشلل المصاب به هؤلاء الأخرون هو السبب.
- هل السبب في اتجاهك لمعالجة القصص التاريخية درامياً كما في الزير سالم والآن المتنبي وتقديمها في التلفزيون هو تقديم نفسك لجمهور آخر جديد لا يعرفك أم القصد منه الانتشار الذي يحققه التلفزيون أم أنه يأس سببه الإحباط الذي يصيب الكاتب حين يشعر أن الناس قد فقدت رغبتها بالقراءة واتجهت للتلفزيون؟!
ربما لا يكون هناك سبب مباشر لقيامي بتقديم الدراما التاريخية بأسلوبي الخاص…
السبب الحقيقي هو أنني أرى أن الدراما التلفزيونية فن قائم بذاته.. لا يشبه السينما ولا المسرح، فهو يقوم على البنية الدرامية، واتجاهي إليه سببه يقيني أنني أستطيع تقديم وكتابة هذا النوع من الدراما أحسن بقليل من معظم ما يقدم ويروج له بين الناس لإفساد ذوقهم وتسطيح وعيهم، وأنا أحاول أيضاً أن احتل مكانة داخل هذا المجتمع وأقدم فعالية معينة أحاول من خلالها توجيه رسالة أظن أن التلفزيون أكثر قدرة وانتشاراً لإيصالها من المسرح أو الكتاب أو المقالة بوجود أزمة القراءة والكتاب وبسبب أن المسرح يعاني مما يشبه الاحتضار إن لم نقل الموت منذ أكثر من عشر سنوات..
ورغم كل ذلك فنحن مازلنا متفائلين بأن النبض موجود ولم يمت…
- كثر الحديث عن الأدب والهوية الوطنية.. فأين ترى أهمية هذه الهوية، ودورها في حماية الثقافة العربية؟
أهمية أن تكون لنا هوية ثقافية نابعة من قدرة هذه الهوية على تحقيق الثقافة دون الوقوع في فخ الاستلاب وقدرة هذه الثقافة على التأثير والتأثر. والذي يتهدد الهوية الوطنية في الأدب هو عزل الأدب عن جمهوره أو الكف عن تجسيد هموم وهواجس هذا الجمهور، وأقصد جمهور الأديب أي مواطنيه، والذي يحصل أن أكثرنا يحاول التشبه بالآخر هذا التشبه يقود إلى الانبهار بنتاجات هذا الآخر في مقابل احتقار الذات.. وهذا هو فخ العولمة الثقافية.
ومن التجارب الرائدة في مواجهة التيارات الثقافية الغربية المسيطرة تجربة السود في العالم.. إذ ناضل السود إبداعياً لترسيخ هوية وحضور مميزين حتى وصل الأمر إلى حدود ترسيخ علم جمال أسود بموازاة الأبيض، بعد أن كان أخطر ما يتهدد الأسود هو إيمانه برأي الأبيض.
ونحن في عصر العولمة أخطر ما يتهددنا هو إيماننا برأي الغرب فينا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 179