مطبات: عذاباتنا غير المبررة

نشرت الصحف في مختلف أنحاء العالم خبر إدانة صحفية تلفزيونية، قامت خلال عرض تلفزيوني لبرنامجها الذي يختص بالدفاع عن حقوق المستهلك، بتجربة لإثبات الضرر الذي قد يسببه استخدام شامبو مضاد للقشرة، وسُميّته على مجموعة من الأسماك، ما أدى إلى نفوق إحدى عشرة منها خلال فترة تتراوح بين 24 ساعة وثلاثة أيام. مرت على هذه الحادثة أكثر من خمس سنوات، مما أدى إلى عدم سجن الصحفية نتيجة رفع دعوى قضائية عليها من أحد الأطباء البيطريين بتهمة التسبب بعذابات غير ضرورية وانتهاكها لقانون حماية الحيوانات ومنع إجراء التجارب عليها.

الصحفية التلفزيونية الدانماركية المدافعة عن حقوق المستهلك تسببت بعذابات غير ضرورية أو مبررة لـ 12 سمكة في حوض أمام الكاميرات، وانتهكت قوانين حماية الحيوانات ومنع إجراء التجارب عليها، هنا الضحية الأسماك، وهناك ثمة ضحايا يشبهونها.
في بلادنا العريضة، تصادر أجهزة حماية المستهلك والجمارك مواد ضارة بالأطفال وبصحتهم، ومواد مخدرة يذهب ضحيتها الآلاف من الشباب السوري، حبوب للإثارة وأخرى لنسيان البطالة وفرص العمل المفقودة، وتزداد اللصوصية والسرقات في الضواحي حيث ينتشر الفقر وتتضخم الرذيلة، والسبب كما يجمع أصحاب الرأي والشأن، الوضع الاقتصادي البائس.
في بلادنا العريضة، يجرب المهربون علينا أشكال الإدمان على مهرباتهم، هداياهم التي تذهب بريح العقل، وتتمسك نوافذهم من الصيدليات بقوانين وزارة الصحة بعدم بيع أية حبة دواء، أو إعطاء إبرة (ديكلون) على سبيل المثال دون وصفة طبيب، باستثناء حبوب التخدير والهياج، الفياغرا، مراهم الانتصاب الطويل، والانحناء الذليل من أجل ظرف من (البروكسيمول)، ثم اللعبة القاتلة للشباب الثًمل في زوايا حواري السيدة زينب والحسينية.
في بلادنا العريضة حتى الضياع، ما زالت وزارات الدولة الرحيمة تجرب، تتخذ الإجراءات، الإعدادات والتحضيرات، لإصدار القوانين التي تخدم من هم تحت وصايتها، قانون العمل الذي يمشي متكئاً على أحلام العمال، من وزارة العمل إلى مجلس الشعب واتحاد العمال، وقانون التقاعد المبكر الذي يعتبره البعض جزءاً من الحل الذي سينقذ جموع العاطلين عن العمل، من كفاءات وشهادات، من التشرد في المقاهي وممارسة الثرثرة التي ربما تؤدي إلى التهلكة.
في بلادنا العريضة يمارس الفريق الاقتصادي على قطاعاتنا تجاربه المستوردة، التي قادت حتى الآن إلى إفلاس الشركات العامة الكبرى، وعرض جزء ليس قليل منها، على الاستثمار، وتجرب بحق عامليها طرق الاستفادة من جهودهم في معاقل أخرى، دون أن يجري الحديث عن رميهم كفائض غير صالح ذات يوم.
في بلادنا لم تزل الخطة الخمسية العاشرة بانتظار نتائج التجربة التي سوف تنقذ اقتصادنا من الأزمة العالمية، ومن أزمته الداخلية، بعدها قد يصار إلى وضعها في إطار التجارب الخلاقة التي مورست في وقت عصيب على الناس، الناس الذين يتضورون شوقاً إلى يوم كانت اللحوم البلدية معلقة على أبواب المحال بانتظار من يفترسها، والآن يمكن لأي مواطن أن يحلم بصورة تذكارية مع كيلو من اللحم.
في بلادي العريضة عام 2009، ما زالت جموع الأسماك السورية في حوض السمك، وما زال الشامبو السام يسكب، وما زلنا على قيد الحياة، لدينا ما لدينا من عوز لفيتامينات اللحوم والفواكه، المشاوير، القبلات المسروقة خشية ثمن، الكلمات المخنوقة خشية أذن، ما زلنا نؤمن بخير البلاد رغم سنوات التجارب والقحط، والمطر المخاتل، ودسيسة الأدعية التي تمني النفوس بمواسم قادمة من الثلج الذي لم يعد يقاوم شمس نيسان الخجولة، ما زلنا نحتاج إلى لحظة صدق للفرار من التجربة، ما زال القطاع العام أغنية للشريحة الكبرى من أبناء الوطن الذين صدقوا شعارات الحفاظ على أيدي العمال وخشونة أكفهم التي تستطيع أيضاً أن تحمل الورد.
طوبى للأسماك التي لم تهزم بعد، بعطر سام، أو علبة شامبو مهربة، على طريق البلد العريض.

معلومات إضافية

العدد رقم:
406