سيناريـو حفـل للموسـيقى العربيـة الكلاسيكيـة (رسالـة فـي الاحتـراف)
1) الإعـلان عـن الحفـل:
ملصق (أفيش) جميل جداً ذو ورق صقيل وألوان زاهية يصوّر نجم الحفل ويذكر اسمه (دون ذكر صفته!). ينقل هذا الملصق المعلومة عن مكان الحفل (دار دمشقية)، يوم وزمن البدء (8.30 مساءً).... فقط. وسيعرف المهتمّون بالثقافة بأن هذا النجم هو مغنٍّ. لكن ماذا سيغني؟ عربي، إفرنجي، أوروبي كلاسيكي، جاز.... لا نعلم. ولن نعلم أيضاً ـ عن طريق الملصق المذكور ـ من سيرافقه من الموسيقيين: ما هي أسماؤهم، وما هي آلاتهم، ولا من هو منظم الحفل؟
«مشّيها»..
2) الدخـول إلـى الحفـل:
رسم الدخول /500 ل.س/ إلى أرض ديار مائل إلى الصغر. ثلثا الأماكن مليئة والثلث المتبقّي فارغ، مع العلم بأن عدد الكراسي المفرودة لم يغطّ أرض ديار البيت العربي بالكامل. هل سعر البطاقة مبالغ فيه؟ ما يدرينا ما حجم النفقات التي دفعها المنظّم؟
«ما بتستاهل»..
3) برنامـج الحفـل المطبـوع:
لا يوجد برنامج مطبوع! عدد الموسيقيين أربعة قاموا بعزف مقطوعة آلية استهلوا بها الحفل. ما اسم هذه المقطوعة ومن ألفها؟ هذا ما لن نعرفه أبداً. وسأقف هنا قليلاًَ لأن آذان العشاء قد تقاطع مع تلك المعزوفة مجهولة الهوية ولأن الحفل الذي لم يكد يبدأ قد توقف. وهنا دخل المغني ليعلن للجمهور بأنه علينا للأسف أن ننتظر نهاية الآذان. وقد لاحظنا على وجوه الموسيقيين كم هم مظلومون وملاحقون، حتى من المؤسسات الدينية. لكن، وللحق، في هذا الوقت بالذات سمعنا أحد المثقفين يقول بصوت واضح أثناء انتهاء المعزوفة: «يا الله، ما أحلى هذا التقاطع»!
«حلوة»..
4) بـدء الحفـل:
بدأ الحفل بعد أكثر من نصف ساعة من موعده، ناهيكَِ عن عدم اختيار التوقيت المناسب أصلاً فيما يخص أخذ موعد آذان العشاء بالحسبان. فمن قواعد الحفلات في الهواء الطلق ـ وفي المدينة القديمة تحديداً ـ الانتهاء قبل الآذان مباشرة أو البدء بعده مباشرةً أو جعل الاستراحة مطابقة لموعده. إذاً، بدأ الحفل وبعد نهاية أول أغنية أتى أحد الشباب ومعه «السِّيَب» (جمع سيبة). وبعد توقف قصير استُغِلّ في زرع السِّيَب على المنصة تابع البرنامج مسيرته. عادي. أما غير العادي فهو حقيقة عدم وجود نوتات موسيقية أمام العازفين من أصله. لا قبل الزرع ولا بعده.
«مو مشكلة»..
5) مـواد الحفـل:
لم نعرف مقامات المقطوعات (رست، بيات....) ولا أشكالها (موشح، قصيدة، دور...) ولا أسماء مؤلفي الكلمات. ودون مبالغة، لم يُذكر (شفهياً طبعاً ومن قبل المغني) اسم المؤلف مقروناً باسم المؤدي الأصلي للأغاني إلا في بعض المقطوعات.
«بسيطة»..
6) سـير الحفـل:
لم تأخذ المادة الموسيقية من الوقت أكثر من خمسين دقيقة. وعندما صفق الجمهور طالباً المزيد أُعطي، بعد تردد، أغنية لم يُذكر اسم مؤلفها ولا اسم مؤديتها الأصلي، على أساس أنها معروفة من الجميع. وقد يكون السبب في أنها هذه المرة عالبيعة. هذا لا ينفي بأن لكل برنامج محترف منشوراً (بروشوراً) تُذكر فيه المعلومة دقيقة ومتكاملة، إذا لم نقل أيضاً، لمحة عن المؤلف والمؤدي والمقطوعة ذاتها، والمقطوعات هنا قليلة العدد فعلاً.
«لا تصعّبها»..
7) المـؤدّون:
حظي المؤدون بذكر أسمائهم شفاهةً وذلك أثناء انشغالهم بالتقسيم (مقطع مرتجل)، أي على طريقة فرق الجاز. كلُّهم من خريجي المعهد العالي للموسيقى، باستثناء واحد ـ عازف الرق، أي ضابط الإيقاع ـ الذي كان أكثر أكاديميةً من الجميع!
«ملعوبة»..
8) مسـتوى الأداء:
جميع المشتركين كانوا من الشباب الموهوب فعلاً، وهذا بالتأكيد ليس من قبيل المجاملة التي ـ كما لاحظتم ـ لا مكان لها في هذا المقال. ولكن، كما يبدو، لم يكن الجمهور يستحق عناء إجراء بروفات كافية. على كل حال يبقى مبلغ /500 ل.س/ مبلغاً متواضعاً، بمقاييس اليوم على الأقل.
«لا تكبّرها»..
9) الجمهـور:
هو دائماً جمهورنا المحب، المشجع، الذي يصبر على الحلوة والمرة. ألم يصفّق، أحياناً بحرارة؟ اتركوه في حاله من فضلكم.
«معليش»..
10) الموسـيقى العربيـة - الكلاسيكيـة:
موسيقى «كلاسيكية»؟ أي تتطلب حرفية عالية و«ثقافة مكتوبة» وليس فقط سماعية؟ موسيقى «عربية»؟ أي تتطلب دقة في أداء العُرَب النغمية (أرباع الصوت تحديداً)؟ تفرض تصوير المقام (تحويل نقطة البدء) بحسب المجال الصوتي للمغني؟
«زوّدتها»..
11) الميكروفـون:
هذا الإنجاز التقني العظيم الذي قد يقتل انسجام الآلات والأصوات ويؤثر سلباً على جمال ومهارة أدائها، أتريد أيضاً أن تنتقدَه، وهذا في مكان صغير لا يفرض عليكَ بالضرورة استخدام مثل هذه التقنية؟ عفواً ولعلمك: إذا كانت آلة البيانو في أي حفل كلاسيكي تؤدّي دون ميكرفون فهذا شأنك وحدك!!
«أي... تخّنتها»..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 416