فواز العاسمي فواز العاسمي

موقظ الصحراء

تتورط الأسماء الكبيرة بفرض فلسفتها الخاصة والتي غالبا ما تكون ضيقة في أثرها على جمهور القّراء، متناسين كذلك أن للأدب بعدا إصلاحيا متخفياً بوجه فني وإن تبرأ الاسم الكبير من هذه المهمة بحجة الرغبة في جعل الأدب وصفة ناجعة في تجميل الكريه برفق أو صلبه حتى يتطهر؟؟ ففي لقاء عامر بالأخذ والرد وكذلك الاستفزاز من الإعلامي السعودي تركي الدخيل في برنامجه «إضاءات» مع الروائي الطوارقي العالمي إبراهيم الكوني، رأيت أن الأخير يدفع بأفكاره أمامه محاولاً جعلها ثيمة أفقية لإقناعنا وبشيء من الجهد والمحاباة الفكرية أن للصحراء عوالم سرية غير تلك التي نعرفها نحن العرب والتي يعيش أكثر من ثلثينا فيها أو عند هوامشها على أقل تقدير ...

انطلاقا من سؤالين كبيرين ومتشعبين وملحين أبدأ: أي صحراء يقصد الكوني؟؟ هل هي الصحراء التي في دواخلنا أم الصحراء المكان المادي الذي يذرو الرمل والتراب ـ إن وجد فيها ـ أم هي التي علمت بعضنا وبحرفية عالية قطع الرؤوس والأيدي وعلمتنا كذلك لغة بائدة مفرداتها الموطوءات والكتابيين وإخوتهم الذميين. أما سؤالي الثاني وهو رد على ما ألمح إليه الكوني في لقائه: هل للمدنية التي تبلورت في دمشق وبغداد كل هذا السوء بعد أن مصرّتا الأصقاع النائية وترجمتا الفلسفة وهذبتا الصحراويين جلهم وقلمتا أظفارهم  وأغمدتا سيوفهم سعياً للاستقرار على حواف الماء لا الرمل.. هل لهاتين المدينتين ما يقال فيهما من أنهما جردتا العرب من المعاني الراقية للصحراء؟؟أما أنا فسأقول ما عندي: ليس أقبح مما هو صحراوي، وإن كنت إلى هذه اللحظة أدعي أني صحراوي تريّف ولم يتمدن بعد.. الصحراء التي نحن عبيد مفاعليها جالبة الغبار والأفكار الميتة والتي بلّدت عقولنا وجعلت منا أمة تفكر إلى الوراء وتسير إلى الوراء وتبكي على الوراء وتلوح للآخرين بأيد معقوفة إلى الوراء.. الصحراء التي جعلت منا أمة يتحين أبناؤها الفرص لردة ماضوية في أي وقت دون إدراك أن البشرية أعلنت أنها أمم ذاهبة للمستقبل متى اتكأت هذه الأمم على العلم وعلى شيء من ماضيها وسخرت الروافع الكامنة فيها ..
ربما سيعلن البعض وأد ما أقول ولكن ليخبرني هذا البعض ولو بطريقة صحراوية ما معنى الثوب القصير مع وفرة النسيج والأقطان وما معنى اللحية الكثة والمحناة أحيانا مع توفر صالونات الحلاقة وما معنى النقاب نفسه دون الحشمة!! لا بل ما معنى وجود كل ما ذكرت في قلب باريس وواشنطن ولندن ..إلى هذه اللحظة وأنا المتخصص في العلوم الزراعية أدعي أني من أشد المناضلين تطرفاُ في مكافحة التصحر بمعنييه الروحي والجغرافي.ماذا قدمت الصحراء للعرب غير القطيعة المعرفية بين المشرقيين والمغربيين!! لحنا مينا أن يجعل البحر غولا يقهره الرجال وللكوني أن يجعل من الصحراء عالما من الأسرار ويحمّلها ما يشاء من الحمولات الجوفاء، ولي أن أدعي أني ابن سهل أو جبل ولي أيضا أن أخلق واقعية سحرية بنكهة سهلية أو جبلية رغم الصحارى التي تسكنني حتى العظم ولي أيضا أن انتفض على هذه الصحارى بكل تجلياتها الداخلية والواقعية والافتراضية أيضا؟؟  

معلومات إضافية

العدد رقم:
416