نصر حامد أبو زيد.. من الأقوى المنفي أم المنفى؟
في جوابه عل سؤال صحفي عن كيفية تعامل المنفي مع ثقافة بلد المنفى أجاب الباحث المصري حامد أبو زيد قائلاً:
«أتعلم، أشارك في المناقشات، أدرس للطلاب وأناقش ثقافاتهم. الأهم من ذلك في ظل الوضع المتأزم ثقافيا وحضاريا بين الغرب والعالم الإسلامي، من الضروري أن يكون صوت العالم الإسلامي حاضرا. ساهمت بدراسة تاريخية نقدية _بالإنجليزية عن حركة الإصلاح الديني في العصر الحديث، ونشرتها الأكاديمية العلمية الاستشارية للحكومة الهولندية في شهر أبريل من العام الحالي. وقد استعانت الأكاديمية بهذه الدراسة في صياغة تقريرها الذي أثار نقاشا حادا بين أنصار النظر للإسلام بوصفه دينا إرهابيا لا مجال للتعامل معه _ التيار السياسي اليميني المتطرف الذي يمثله سياسيا حزب بم فورتين الذي تم اغتياله بسبب أرائه المتطرفة، ويمثله فكريا كثيرون لعل من أشهرهم إيان هيرسي علي _ وبين المعتدلين سياسيا وفكريا الذين يدركون تعدد التجارب الإسلامية، ويرفضون التعامل مع الإسلام والمسلمين من منظور إقصائي استبعادي. والمتابع لأخبار السياسة الهولندية يعرف أنه قد تم سحب الثقة من حكومة الائتلاف الحالي بسبب السياسة المتطرفة ضد المهاجرين التي تتبعها وزيرة الهجرة الحالية. أهم من هذا المشاركة في الجدل الفكري والسياسي في هولندا، المشاركة في النقاش الأكاديمي حول الإسلام، تاريخه ونصوصه الأساسية. ومن المؤسف أن هذا النقاش غائب تماما عن العالم العربي، وأنا الآن بصدد كتابة بحث مطول باللغة العربية عن القضايا التي يثيرها الباحثون المعاصرون عن الإسلام وتاريخه ونصوصه، هي قضايا شائكة.
وعن الأجواء التي توفرها ثقافة المنفى له قال:
المكتبات والمناخ الحر والحوار المفتوح والنقاش حول كل شيء، بل وإمكانية اقتحام مناطق القضايا المحرمة في هذه الثقافة دون أن تخشي الاغتيال. لكن عليك في جميع الأحوال أن تكون مستعدا لبعض التضحيات، وأن تتعاون مع المفكرين والكتاب والمثقفين الذين يقفون معك في نفس الخندق.
الاضطهاد على اختلافه ونسبيته موجود في كل المجتمعات وفي كل الثقافات، لكن مع اختلاف الدرجة من حيث الانتشار ومن حيث الوضع القانوني. في هذه المجتمعات الغربية تستطيع أن تلجأ للقانون وتحصل علي حقوقك، وفي حالات أخرى عليك أن تكون مستعدا لبعض التضحيات، فليس هناك مجتمع كامل ولا ثقافة نموذجية. المهم إمكانية التواصل في مناخ ثقافي يتقبل الاختلاف.
وفي العموم المنفي يضيف الكثير إلى الثقافة العربية: اتساع في الرؤية، رحابة في النقد، إدراك للتفاصيل التي يسكنها الشيطان في ثقافتك. الأهم من ذلك أن مناهج النقد الذي بلا ضفاف تقريبا وليس مطلقا هنا، تمكنك من إدراك عناصر القوة وعناصر الضعف في تاريخك الثقافي، وذلك من منظور تاريخي مقارن.