ماذا تقول يا صاحبي؟ بين اليوم والأمس

■ ألست تلاحظ معي ذلك الخفوت الذي طرأ على تنظير وتفكير الكثيرين ممن كان فحيحهم يلهث في كل مكان، ينفث سمومه القاتلة، سموم اليأس والإحباط، بأن عصر الأيديولوجيا قد انتهى، وبأن زمن الشعوب قد ولى.

أين هم اليوم مما يجري في أرجاء وبقاع العالم من أحداث وتطورات تثبت وبالدليل الحي الملموس أن الهزيمة للغاصبين وللظلام والظالمين وبأن المستقبل الأفضل لن يكون أبداً إلا للشعوب.

● الواقع وكما أعتقد أن هؤلاء قد اندرجوا ضمن أطر ثلاثة لاتخفى عن عين الملاحظ والمتابع، فأغلبهم قد دلف إلى ثلاجة الموت السريري تاركاً قلمه وقد همد لسانه بعد أن صفعت وجهه وعينيه مشاهد صحوة الشعوب وتحركها الواعد بألف ألف انعتاق وانتصار، وبعضهم حوّل مساره منقلباً ـ وكما يقال مائة وثمانين درجة ـ «وهذه ظاهرة تتبدى على كل الصعد ومختلف المواقع، وتعرف باسم تلونات الحرباء، تبعاً للمنفعة و المصلحة، والأدلة عليها أشهر من أن تذكر» وأما البقية الباقية منهم فمازالت تستميت متشبثة بأوهام سادتها من سدنة الرأسمالية المتوحشة والعولمة المتأمركة، أعداء الشعوب والحياة، فمازالت تفح بأن الرأسمالية باقية وخالدة!!

■ في الحقيقة هذا ما كنت أود أن أحدثك به وعنه، وأن أقدم شواهدي على بطلان أوهامهم وكذب إدعاءاتهم.. تلك الشواهد التي أستمدها من دواوين الشعر… فأنا أحب الشعر والشعراء لأنهم ـ مثلهم مثل كل الفنانين ـ يصنعون ويقدمون الفرح والأمل والعزيمة للبشرية المكافحة المناضلة.

● هات أسمعني فكلي آذان صاغية

■ سأسمعك بعضاً من قصيدة للشاعر عصام حماد عمرها خمسون عاماً فقد كتبها في 8/6/1954 بـــعـــد سقــوط أكـــبـــر مـــوقــــع للاستعمار الفرنسي في فيتنام. والقصيدة بعنوان «ديان بيان فو» استهلها بسؤال يطفح برعشة فرح الانتصار العظيم:

أحقاً... أحقاً هوى المعقل الأروع؟

وكانوا إلى الأمس لايفتأون

به يفخرون

ويزهون تيهاً على الثائرين

من النفر الحر، والناقمين

على الغاصبين

تحدوا به راسيات الجبال

وقالوا: إن الصخور لاتلين

أمام القنابل يوم الحصار

وقالوا: هنالك خلف الجدر

ألوف من الجند تلو ألوف

فمن هذه الطغمة الطائشة؟!

من  البائسين الجياع العراة.

تحوّم حول العرين

أَكَفٌّ تلاطم نصل القناة؟!

أوعلٌ يناطح صلد الصخور؟!

وأقبل، من بعد، يوم مبين

أعزّ.. وضيء الجبين

وفي ليلة من ليالي ا لسرار

يخيم فيها سكون عميق

تسلل تحت أديم القلاع

ألوف الكماة من الثائرين 

من الكادحين.. من العاملين

على خلق مستقبل أفضل

وجاس الكماة من الفيتنام

خلال العرين الرهيب المهيب

وشقوا الطريق لأرض المطار

خصورهم أثقلت بالقنابل

وشدّت بأحزمة الدينميت

فلو قد رأيت.. رأيت أناساً 

من اللحم  والدم ..لكنهم 

إذا ماأصيبوا بنار العدا

تفجر مايحملون 

فكانوا كمثل الذي يحملون!!

هذه قصيدة من أوراق الماضي، أما القصيدة الثانية فمن أوراق الحاضر وسأسمعك إياها في الزاوية القادمة .. فماذا تقول ياصاحبي؟!

■ محمد علي طه

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.