أوراق خريفية.. يوم الغضب العربي

فور وصول (أبو سالم) إلى بيته، أخبرته زوجته بأن حماته تحبه، لأن التلفزيون سيبث الآن جلسة افتتاح القمة العربية على الهواء مباشرةً. وأن موضوعها الرئيسي سيكون دراسة ومناقشة اقتراح قدّمه أحد الزعماء العرب مفاده تخصيص يوم يسمى يوم الغضب العربي. وذلك تعبيراً عن الوضع المزري الذي وصل إليه الحال العربي..

أحضر أبو سالم كيس دخانه على وجه السرعة وجلس أمام التلفزيون وبدأ يدرج لفافته مصغياً إلى الخطابات:

استهلّ أمين عام الجامعة العربية الجلسة بمداخلة قصيرة تحدث فيها عن المآسي التي تعيشها الشعوب العربية وحالة الإحباط التي استوطنت النفوس. وأنه بات من الضروري اتخاذ القرارات التي من شأنها رفع همة الأمة.

 وشكر القائد العربي الذي تفتّقت عبقريته على الاقتراح الذي انعقدت من أجله القمة.

كما أسف لغياب بعض القادة العرب عن حضور هذه القمة. وتمنى في نهاية مداخلته

التوفيق والإقامة المريحة لجميع الوفود المشاركة.

وهنا رفع أحد الزعماء العرب يده معترضاً، فأعطي له الميكرفون فانبرى قائلاً:

إن الظروف المريرة التي يعيشها شعبنا الجريح في العراق وفلسطين والتي يمكن أن تعيشها شعوب أخرى قريباً أيضاً.. 

تجعلنا نخجل من أنفسنا تخصيص يوم واحد فقط للغضب العربي! واقترح أن يمدد الغضب لثلاثة أيام.. أو ليومين ونصف على الأقل! إذ من غير المعقول الاكتفاء بيوم واحد على الإطلاق!

فاعترض زعيم عربي آخر على هذا الاقتراح قائلاً: أيها السادة إن عصر السرعة الذي ننعم به، يجعلنا بحالة سباق مع الدول والشعوب الأخرى التي سبقتنا أشواطاً بالمدنية والحضارة عشرات السنين... وبالتالي فإنه من غير المستحب إهدار وقتنا بالغضب لمدة ثلاثة أيام أو حتى ليوم واحد. 

وأقترح توجيه رسائل عبر البريد الإلكتروني والإنترنيت إلى مختلف شعوب الأرض، نعبر فيها عما يعتمل في صدورنا من غضب وسخط وشجب وتنديد لما يجري في المنطقة... 

فاعترض زعيم آخر على هذا الاقتراح قائلاً: لا تنسَ يا جلالة الملك بأن نسبة تعامل المواطنين العرب بالإنترنيت، لا تتعدّى الـ 3% من مجموع السكان، وبالتالي فإن هذا الاقتراح غير ذي جدوى ولن يفي بالغرض..

هزّ أحد الزعماء العرب رأسه مستخفاً بكل هذه الاقتراحات وطلب السماح له بالكلام فقال: لما كان أكثر ما يغضب السفاح شارون هو رؤيته لشعوبنا وقد رفلت بالسعادة.. فإنني أقترح تخصيص يوم للضحك العربي بدلاً من الغضب.. تصوروا أيها الأخوة! قهقهة ثلاثمائة مليون عربي بوقت واحد ولمدة أربع وعشرين ساعة..! أعتقد أننا بهذا نكون قد انتقمنا من هذا الدراكولا القبيح، وثأرنا لشهدائنا في فلسطين والعراق والدول الأخرى... التي قد يأتي دورها قريباً كما أشار أحد الأخوة الزعماء في مداخلته..

امتقع وجه أحد السلاطين العرب وبدأ مداخلته دون إذن من أحد: يا أخوان! علينا مراضاة الله قبل كل شيء. لقد خف الإيمان وانتشرت قيم العهر والفسق والفجور...

ولهذا فإن شارون وأمثاله يحققون النصر تلو الآخر علينا...! إنني أدعو القادة العرب للموافقة على تخصيص يوم لأداء صلاة الاستنصار بدلاً من يوم للغضب العربي... تخيلوا ثلاثمائة مليون عربي يؤدون صلاة الاستنصار بوقت واحد ولمدة أربع وعشرين ساعة! 

تنحنح سمو الأمير ممتعضاً وطلب الإذن بالكلام قائلاً: يبدو أن أصحاب الفخامة والجلالة والسمو نسوا أو تناسوا، أنه بالكاد استطعنا انتزاع موافقة أمريكا لعقد هذه القمة. ولا أعتقد أنني بحاجة لتذكيركم على ضرورة توخّي العقلانية والاعتدال في قراراتنا المزمع إصدارها، للحيلولة دون استفزاز أمريكا.

إنني أستسمح القادة العرب وأدعوهم للموافقة على اقتراح مملكتنا القاضي بالعمل على  إصدار طابع يسمى طابع..

لم يستطع (أبو سالم) سماع المزيد من الخطابات فالتفت يمنةً ويسرةً، ثم مدّ رأسه من الشباك للتأكد من خلو الشارع ورفع راحته باتجاه التلفزيون وكوّر إصبعه الوسطى وغرزها في الهواء ثلاث مرات وهو يبربر: يلعن (....) واحد يقول للتاني...

■ ضيا اسكندر - اللاذقية

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.