عبد الرحمن مظهر الهلوش عبد الرحمن مظهر الهلوش

آثار من الجزيرة السورية المملكة الميتانية في تل حمدي الأثري

يروي أحد سكان منطقة تل الحمدي بأنه كان هناك شيخ في ثلاثينيات القرن الماضي يدعى محمد عبيد الهلوش يسكن في أعلى قمة تل الحمدي، وهو يتقن اللغات الفرنسية والتركية، وقد طلب منه مغادرة المكان من بعض العشائر وذلك للحلول محله بسبب خصوبة المنطقة وتوفر المياه فيها ولكنه أفادهم قائلاً: بأنه سوف يستشير أخاه ويعطيهم الجواب، وقد رجع إليهم وأخبرهم بأن أخاه رفض التخلي عن المكان علماً لم يكن لديه أخ، فقد كان يقصد التل الذي يسكن به، وهذا يُدلل على القيمة الجغرافية والمعنوية لتل الحمدي والالتصاق بالمكان. 

يقع تل الحمدي(30 كم جنوب مدينة القامشلي)، في ملتقى طريقين هامّين للتجارة في الألف الثاني قبل الميلاد، حيث كان الطريق الأوّل يربط بين بلاد آشور والبحر المتوسط ومصادر المواد الخام في جبال طوروس والأمانوس.
أما طريق التجارة الثاني فيمر بمنطقة خابور السفلى حتى منطقة الحسكة ومن هناك يسير بمحاذاة نهر الجغجغ ماراً بمجموعة من التلال منها تل الحمدي حتى منطقة نصيبين/ القامشلي وآسيا الصغرى.
تمتد آثار المدينة القديمة في تل حمدي التي تقع في منطقة جغجغ مباشرة، فوق ثلاث مناطق تختلف من حيث الارتفاع. المنطقة الأولى تمثلها المدينة السفلى التي تقع على ارتفاع 355م تقريباً فوق سطح البحر، وقد تم فصلها عن التل عن طريق سور أو جدران محاطة بها.
المنطقة الثانية وتمثلها المدينة العليا التي تقع على ارتفاع 365م فوق سطح البحر.
وتمتد هذه المدينة في معظمها إلى جنوب وشرق تل الحمدي، وترتفع حوالي عشرة أمتار عن المدينة السفلى التي فصلت عنها عن طريق نظام الأسوار.
المنطقة الثالثة: وهي القلعة التي تقع على ارتفاع يتراوح بين 365 و391 م فوق سطح البحر.
 لقد تشوّه شكل المدينة العليا بشدة عن طريق الحفر المسترسلة التي يرجح تاريخها إلى العصرين الهليني والعباسي.
ويعود تاريخ التنقيب في تل الحمدي من قبل البعثة الأثرية السويسرية برئاسة البروفيسور الدكتور ماركوس ويفيلر إلى عام 1984، والجدير بالذكر بأن البروفيسور ماركوس هو مدرس سابق في جامعة بيرن(سويسرا) والمتخصص في علم الآثار واللغات للشرق القديم، وقد تحدث البروفيسور ماركوس لـ «قاسيون» في جولة ميدانية استمرت لمدة يوم كامل في موقع تل حمدي الأثري، حيث ذكر بأن تاريخ التل يعود إلى الحقبة الميتانية حوالي 1500 ق.م واسم المملكة القديم هي (ته إيدو) وكان يحكمها الملك (شوشتر)، ثم جاء من بعدهم البابليون، وتم القضاء على هذه المملكة من قبل الأشوريين، الذين قاموا بسرقة الكثير من كنوزها الثمينة وآثارها.
 وأضاف (ماركوس) كان يحيط بالمملكة حاجز مائي ليصد هجمات الأعداء، وأكد أنه ليس هناك علاقة بين لغة مملكة (ته إيدو) واللغات القديمة في المنطقة بل كانت لهم لغتهم المستقلة، وأن هذه المملكة كانت من القوة بحيث كانت تضاهي الإمبراطورية الفرعونية في عصرها.
وذكر (ماركوس) بأنه تم عقد ندوات أثرية حول تل حمدي في جامعة برن السويسرية لأهميتها التاريخية في الشرق القديم، وحول المكتشفات الأثرية في تل حمدي أكد رئيس البعثة بأنه تم العثور على أجزاء للوحتين عليهما ثلاثة أختام ومن هذين الختمين يوجد ختم في وسطه صورة رجل يصلي وهي صورة على الطابع البابلي ذات عامل ميتاني، أما البابلي في هذا المنظر فهو شكل إله ذي اليدين المرفوعتين، أي أنها توضح العابد والإله الرئيسي الذي يحتمل أن يكون الإله (شمش).
و يتضح العنصر الميتاني عن طريق غزال مرسوم رأسه متوار وعيناه أكبر من المعتاد. أما الشكل الثانوي فيتكون من أسدين واقفين بصورة متباينة.
 وفي العصر الأشوري الجديد تم اكتشاف عدد من القطع الأثرية يمكن مقارنتها باكتشافات أخرى في عدد من الأماكن وخاصة في نيمورد منها: عدة دست من قطع العاج، وتوضح إحدى القطع رجلاً ذا لحية يرتدي عصابة رأس معها تنورة (مثل الجونلة)، تصل إلى حدَ رسغ القدم ومعها معطف مزكرش.
 وفي العصر الهليني تم العثور على قارورة عطر في مقبرة رست فوق جدران البيت في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد ويدعم هذا التاريخ عروة قارورة أخرى صغيرة مختومة بختم من جزيرة رودس وموجودة في المدينة العليا.
 وفي العصر الروماني تم العثور على قطعة نقود يرجع تاريخها إلى سنة 337الى 341 بعد الميلاد في الأنقاض المتراكمة على سطح التل وبعد فجوة زمنية قدرها 500 عام نجد مستوطنة عباسية في المدينة العليا، أما الطبقة الحديثة فتخص عصر الانتداب الفرنسي.
وقد أفاد البروفسور ماركوس بأنه قد تم اكتشاف قصرين في موقعين أثريين متجاورين حيث كان في التل الكبير قصر الملك الميتاني الذي يبلغ ارتفاعه 20 متر ومساحته 200 م - 200م. وفي التل الصغير يوجد قصر الرعية حيث وجدت فيه الكثير من الألواح الأثرية مدون عليها الكتابة الميتانية والتي هي جزء من اللغة الحورية، وقد عثر على أدوات زينة وحلي خاصة بالنساء على درجة عالية من الإتقان مصنوعة من الأحجار، إضافة إلى بعض القطع الذهبية والفضية، وأفاد (ماركوس) بأنه تم إيداع كل المكتشفات في متحف دير الزور، ولا يزال التنقيب مستمراً في التل الكبير حيث هو موقع الملك الميتاني (شوشتر).
 وأضاف (ماركوس) بأنه كانت توجد علاقات تجارية وطيدة بين مملكة ته ايدو(تل حمدي) مع الممالك الموجودة في نينوى بالع