بين قوسين حروب القبائل
آلاف المدوّنات تتجاور، تتقاطع، تفترق، في بناء عالم افتراضي، وتعويضي، في التعبير عن ذات مقهورة وعزلاء، لكن جولة بين حقول المدونات اليوم، تكشف على الفور أن ما يزرعه عدد كبير من هؤلاء ليس قمحاً، بل زؤان فاسد، ذلك أن ما يكتب من أفكار وتعليقات يشبه ما يحدث في مصحّة للمجانين والمرضى النفسيين:
أبطال وهميون يعيدون صياغة العالم على هواهم متسلحين بقاموس من الشتائم والهجاء المجاني الذي لا يعتمد معايير نقدية سليمة، وكأن ما يحدث هو «منسف عرب»، ثريد وعظام بلا دسم، والأخطر أن بعضهم وهم كثر على أي حال، لا يتوانى عن نشر الشتائم الشخصية وتزوير الوقائع كنوعٍ من التسلية في أوقات الفراغ.
وإذا كان الفضاء الالكتروني هو فسحة حرية من دون رقابة، فهذا لا يعني بالطبع، الاستباحة الكاملة، وبث الفتنة، وتصفية الحساب دون أي وازع من ضمير.
يطيب لي أن أطلق عبارة «المريض السوري» على بعض مدمني التعليقات المحلية المجانية والجبانة والرخيصة، تلك التي تستعير دور النعامة، وتخبئ رأسها في الرمل، فتروح تكيل الاتهامات، من دون وقائع أو قدرة على المواجهة الصريحة في هذه المواقع لن تجد اسماً صريحاً، بل أسماء وهمية من نوع «ريم البوادي»، و«الفارس»، «كفاح»، و«نضال» إلى آخر القائمة التي تذكر بما كان يفعله مراسلو باب «حياتنا الجنسية» في مجلة «طبيبك».
في حال رفعنا المستوى قليلاً، وذهبنا إلى مواقع السجال السياسي، وتمكين المرأة، والديمقراطية والمساواة، سنجد فظائع وأهوالاً أكبر: فحديث الديمقراطية يتحول إلى حروب قبلية تستعمل بها السيوف المسلولة والخناجر المسمومة، وحتى المنجنيق، لحرق القلاع المحاصرة الديمقراطية بحسب الوصفة التي يستعملها بعض المتحاورين هي ببساطة: إلغاء الخصم وإطاحته بالضربة القاضية، فالحقيقة الخالصة في جيب من يتكلم، وما على من يقف في الضفة المقابلة إلا أن يبصم دون نقاش في بعض مواقع المرأة، سنجد حرباً ضروساً ضد الرجل، وكأن تحرير المرأة يعني إقصاء الرجل وليس مشاركته في المساواة.
«المريض السوري» وهو عربي أيضاً، ديمقراطي إلى العظم في كتابته الافتراضية، وكأنه شرب حليب الديمقراطية أباً عن جد، ثم نزل إلى ساحة الوغى هكذا هو ككائن افتراضي، لكنه في الواقع مريض لا شفاء منه، يتصرف على مبدأ «أنا وأنا وأنا، ومن بعدي الطوفان.
لاشك أن الحياة قبل الانترنت لا تشبهها بعد الانترنت، لكن هذه الاستباحة اللا مسؤولة باتت تحتاج إلى معايير وعقد اجتماعي يتناسب مع هذه الطفرة التقنية، بعد أن وصلت الإساءة والتزوير إلى حد اللامعقول.
صورة الكائن الافتراضي المحلي: بعير بسنام على شكل كيبورد.
ثقافة البعير إذا لا تتسق مع فضاء الشبكة المفتوحة على مصراعيها، إلا إذا كان بعضهم على قناعة أن سفينة الصحراء لها مكان على أوتوستراد العولمة!