إحراق الأوراق الثقافية: يهوذا هوليود.. وعسكر بيلاتوس المكارثيون:
رحل إيليا كازان عن الدنيا في الثامن والعشرين من شهر أيلول الماضي، إيليا كازان يهوذا هوليود، هو واحد من الأشخاص الأكثر إشكالية في السينما الأمريكية فيما يتعلق بالشق السياسي من حياته وليس الفني، إن نحن استطعنا أن نضع هذا الفصل بين ما هو فني واخلاقي بهذا الشكل، فكازان الذي أنتج روائع للسينما قادماً من برودواي المسرح، استطاع أن يثبت خلال 6 عقود من العمل في السينما أنه واحد من أهم رواد الفن السابع منذ نشأته، إيليا كازان صاحب
((شرقي عدن))، ((النهر المتوحش))، ((أميركا أميركا))، ((روعة على العشب)) وغيرها من الأفلام، إيليا كازان، الحائز على أوسكار العم سام، مرتين عن أفلامه، وأوسكار أخير عن مجمل أعماله (الفنية)، وجد الراحة أخيراً بعد عذاب طويل.
بعد أن وشى كازان برفاقه مع الحملة المكارثية على مسيحيي العالم الجديد -حسب كاسترو- بعد ضغوط لم يستطع أي أحد أن يبررها، وقف كازان أمام حبل مشنقة يهوذا.. وجميع خونة العالم طوال عقود، لكنه لم يمتلك الجرأة، لينهي تلك المعاناة، بقي واقفاً لما يزيد على أربعة عقود أمام حبل المشنقة نفسه، لينهي معاناته وأسئلة دامت لقرون.. ظهرت في أفلامه اللاحقة، التي كانت تتأرجح بين تبريراته لذاته لفعل الخيانة الذي قام به، وبين محاولة لتبرير فعله للعالم ككل.. بقي متهماً حتى بعد مماته، لكنه أخيراًَ ارتاح من حبل المشنقة الذي بقي ماثلاً أمام عينيه..
هناك بعض الفلاسفة، علماء النفس، وعلماء التاريخ يعتبرون أن فعل الخيانة فعل ضروري في مسيرة الحياة البشرية، والبعض الآخر يرى أن الخيانة هي موقف من الحياة، والبعض الآخر يرى في تطورها أمراً جينياً.. إلاّ أن الخيانة تبقى مهما كان الإنسان متصالحاً مع ذاته أمراً مؤلماً ويحفر بالسكين، وتنسى جميع الأطراف ويبقى الخائن، ماثلاً في التاريخ ... كبطل يصلح للمذمة.
عسكر بلاوتوس الجدد بقوا على الأرض بينما ذهب مسيحيو العالم الجديد بلا رجعة وبقيت صلبانهم مخفية في أروقة لا نعلم عنها شيئاً. ويهوذا كازان علق أخيراً من حبل المشنقة.
■ ع . س
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.