أوراق خريفية com. نفاق .www
منذ أيام تغيّب رئيس الورشة في شركتنا عن الدوام ليومين متتاليين. ولدى عودته ومباشرته العمل، لاحظتُ أن الزملاء يحيّونه قائلين له: (الحمد الله على السلامة) وبدوري حيّيته بنفس العبارة مقلّداً ومستوضحاً في الوقت ذاته عن سبب غيابه.. أجاب مبتسماً:
- الله يسلّمك.. لقد كنت في مدينة حلب، ذهبنا لنطلب يد صبية من هناك..
ولما كان رئيس الورشة متزوجاً ولديه أبناء بمرحلة الشباب، فمن الطبيعي أن يهتم بإكمال نصف دين أولاده كما يقال. سألته وهل تم الأمر إنشاء الله؟ أجاب:
- الحمد لله، عقبى الفرح في دياركم...
- ألف مبروك، ومتى موعد الخطوبة؟
- لقد خطبنا للولد وانتهى الأمر، حتى أننا حدّدنا موعد العرس..
- عظيم، ومتى إنشاء الله ستتم هذه الخطوة السعيدة؟
- في مطلع الشهر القادم... بصراحة لا نريد شوشرة، يا أخي كلام الناس كثير ولا نستطيع ربط ألسنتهم... أنت أدرى الناس بظروف مجتمعنا المتخلف الجاهل الثرثار.. سيما وأن الصبية لها ظروف خاصة نوعاً ما..
- خير؟
- يا أخي للأسف حتى الآن لم نستطع التخلص من الطائفية ومن نظرة المجتمع للمرأة المطلقة وخاصة إذا كانت تزيد عريسها عدة سنوات... طيب ما ذنبها إذا خُلقت البنت ضمن طائفة معيّنة؟ أصلاً من فينا اختار طائفته أو لونه أو طوله أو عرضه؟ كل الأديان خير وبركة. وبنهاية المطاف كلنا أبناء آدم وحوّاء وأخوة في الإنسانية. وصدق من قال أن الدين معاملة.. والبعض يصمنا بالعار لأننا خطبنا صبية مطلّقة.. يا أخي إذا كانت الظروف لم تسمح لها بزواج موفق وانفصلت عن زوجها السابق كما أقرّت الشرائع السماوية.. أين المشكلة في ذلك؟ والبعض الآخر لامَنا لأن الصبية أكبر من عريسها بسنتين.. متجاهلين أن فارق العمر بين الزوجين لم يعد ذا أهمية كالسابق، فالمرأة في هذا العصر لا تهرم كالمرأة أيام زمان؛ فهي لم تعد تنجب ذرّية كبيرة، ولا تجهد نفسها بالعمل المنزلي، فالتكنولوجيا ساعدت المرأة كثيراً، لديها الغسالة والجلاية وغير ذلك من الأدوات.. ومع ذلك الناس يثرثرون، أفف.. بصراحة عمرنا لن نصير مثل البشر..
لا أغالي إذا قلت بأن غبطتي كانت عارمة لا يطالها وصف لسان البشر. وطفحت سعادتي طفوحاً يتخطى كل المقاييس والحدود. حتى كادت دموع الفرح تفيض من عينيّ وأنا أسمع منه طيب الكلام. قلت في نفسي فعلاً ما زالت الدنيا بألف خير.. ورئيس الورشة هذا مثال على ذلك. تابعتُ حديثي معه وأنا في غاية النشوة لوجود كل هذه القواسم المشتركة التي تجمعني معه وسألته:
- أفهم من كلامك أن كنّتكم العتيدة من طائفة أخرى، ومطلّقة، وأكبر من عريسها؟
أجاب بنوعٍ من التحدّي وكأنه على وشك الانخراط في معركة:
- نعم، وأين الغضاضة في ذلك؟
- لا العفو لم أقصد... أصلاً أنت تعرف رأيي بهذه القضايا ولا أعتقد أنني مضطر لأن اشرح لك مواقفي وقناعتي بها...
همد وزفر متابعاً:
- أعرفك، ولهذا السبب أبوح لك بهذه التفاصيل...
- وكيف تعرّف عليها ولدكم وهي من محافظة أخرى؟
- ولدي؟... تقصد ابن أختي..
- وهل العريس ابن أختك وليس ابنك؟!!
أجاب كمن يريد أن يدفع تهمة عنه:
- طبعاً ابن أختي! وهل أنا مجنون لأخطب لابني امرأة مطلقة ومن طائفة أخرى وتزيد ابني عدة سنوات..؟ فهل ابني أكتع لا سمح الله، أم أعور، أم فيه عاهة؟ ما أحلاني والله!
لحظتها تمنّيت لو أنني لست في دائرة رسمية، لكنتُ تشقلبْتُ على الأرض إشباعاً لغريزتي من الضحك. وسرعان ما ذهبت (السكرة) وجاءت الفكرة، فلبثتُ سارحاً مفكراً متسائلاً:
تُرى، كم من الناس والحكومات والأحزاب على شاكلة رئيس ورشتنا هذا؟
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.