البوح والجمال.. في منحوتات صالح نمر هويتي تمتد من سومر وآكاد وآشور وبابل..

لتجسيد الممارسة الإنسانية الأجمل

لاأتحدث عن الالتزام بالفن بل عن وظيفته


الروح الكامنة في صنعته تعيدنا لما قبل التاريخ واللقى الأثرية وجداريات الكهوف المؤرخة لقضايا الوجود… قلق الموت والولادة والحياة وأخبار السنابل والحصاد وكل الصراعات الملحمية التي يوشك صالح نمر على طرحها وصياغتها من جديد محاولاً خلق البوح والجمال… هذا ما يدركه أي زائر لمعرض صالح نمر، الذي اختتم مؤخراً  في المركز الثقافي العربي - أبو رمانة، وكان لنا معه هذا اللقاء:

■ لماذا كل هذه الدهشة بعيون زوار المعرض التي تعلقت بمخلوقاتك الصغيرة؟

■■ يجب أن تطرح هذا السؤال عليهم على الزوار، ولكني أعتقد أن النحت عموماً لم يصبح فناً شعبياً حتى الآن وهذا ما خلق هذه الدهشة..

■ أنا أسأل عن أعمالك أنت بالتحديد؟

■■ ربما الذاكرة الأسطورة وحكايا الجدات من قرني الثور اللذين يحملان العالم والحسناء التي تزوجت من كبش والأخرى التي سافرت مع الطيور..

■ كما قلت لك لاحظت من خلال تقليبي لدفتر الملاحظات في المعرض آراء مفعمة بالإعجاب والاستحسان وغير ذلك من عبارات الإطلاق وبعض النفاق الموروث، لقد لاحظت غياباً شبه كلي لأي نظرة نقدية موضوعية؟

■■  هذا صحيح ولكن يجب أن نعرف أن عمر النحت في منطقتنا قصير نسبياً فسبعون عاماً لن تشكل ثقافة نقدية، لقد انقطعنا عن النحت قروناً كثيرة وهانحن نعود إليه فجأة ونحتاج لمزيد من الوقت حتى يترسخ هذا الفن في ثقافتنا الشعبية وأما فيما يتعلق بعبارات المدح والثناء فأنا أتفق معك بأنها محض نفاق اجتماعي توارثناه وهو ظاهرة خطيرة وسلبية قد تدفع بالفنان أحياناً إلى وهم كبير بأنه عبقري أو نصف إله، وهو بالحقيقة قد تحول إلى بيروقراطي صغير.

■ المرأة… الحلم… الأسطورة وتسامي الربات القديمات كان حاضراً في أعمالك وغير ذلك مما يعيدنا لفناني مابين النهرين القدامى… ماذا تقول؟

■■ الفنان ابن بيئته، وأنا ابن ما بين النهرين… سومر وآكاد وآشور وبابل وحتى الحوريين كل أولئك كانت ثقافتهم نحتية بل حتى الكتابة كانت نحتاً، كل هذا ترك أثره في ذاكرتي الشعورية والبصرية إضافة إلى كون هذه الحضارات كانت المتكأ الأول لبداية ظهور هذه الممارسةالإنسانية الأجمل.. الفن عموماً والنحت بالتحديد..

■ وعن المرأة والغزلان وغير ذلك في أعمالك؟

■■ المرأة أصل الاستقرار، ذلك المخلوق  الرائع الذي يكاد يتحد بالأرض ليشكل جغرافية الوطن والفنان وهي مادة أساسية أوظفها مع عناصر أخرى تتحد معها لإيصال فكرة ما إلى المتلقي.

■ هل هي دعوة للحرية لممارسة الجمال، للإيمان بعظمة الوجود؟

■■ قد تكون محاولة للكشف.. لطرح الأسئلة المؤرقة والإجابة عليها بتكريس البشري في حياتنا… أنا مادي حتى النخاع، ودعوتي التي سألت عنها هي للعمل للكشف كما قلت لك وكذلك التغيير ولاأتحدث عن الالتزام بالفن بل عن وظيفته.

■ مايكل أنجلو في عمله المعجز (موسى) كان يشير إلى عظمة هذا الجنس البشري من خلال الأسطورة كان هذا جميلاً ومبرراً في أيام النهضة في أوروبا لماذا هذا التكرار… لا أتحدث عنك فقط بل عن ظاهرة نحتية تحاكي الأسطورة وتهمل إنساننا، أين هذا القرن ذلك النسبي المتناقض والضعيف إن صح التعبير؟

■■ إن الصراع البشري واحد، والخير والشر هما محور هذا الصراع كما في الأسطورة وهذا يتصل بإنساننا المعاصر أيضاً من حيث جوهر الصراع وطريقته في المجابهة فتلك المرأة الكاملة التي تتسامى على ضعفها بهذا الجسد الغني هي حلم لامرأة أخرى لاتمتلك تلك المزايا…

■ هذا جزء من الإجابة؟

■■ نعم، ولكن انظر إلى ذلك التمثال، إلى تلك الأكتاف الهزيلة التي تتصل برقبة تتطاول لتحمل الرأس الصغير إلى القمر هو النسبي الضعيف الذي سألت عنه وكذلك هي طريقته في مواجهة الضعف باللجوء إلى الغيب والأحلام…

■ في معرض جماعي مفترض هل يستطيع زائر ما أن يعرف أعمالك بمجرد النظر إليها؟

■■ المعرض الأول لأي فنان هو وقفة مع الذات ومحاسبة، وحوار مع أعماله وهي بحث من أجل خط خاص لهذا الفنان وهي بداية لعملية شاقة لخلق بصمته التي تؤكد تفرده.. أعني أنني بحاجة لمزيد من العمل ولكي أستطيع تشكيل هويتي الفنية.

■ حاوره: جعفر عواد