«قاسيون» في لقاء مع المخرج العراقي هافال أمين: القضايا الكبرى ملك لكل الفنانين سورية أصبحت مركز ثقل في الشرق كله


انتقل من عالم الصحافة إلى عالم، السينما، فبعد أن غادر العراق قبل 17 عاماً انتقل من فرنسا إلى هولندا ليحصل هناك على الجنسية الهولندية ليتابع عمله في مجال الصحافة، انتقل بعدها إلى تصوير مجموعة من الأفلام الوثائقية، معتمداً على خبراته في المجال الصحفي إلاّ أنه انجرف وراء طموحه ليدخل عالم السينما الوثائقية، ويخرج بمجموعة من الأفلام التي لاقت الكثير من النجاح، ويتنقل بكاميراته إلى الكثير من الدول العربية، مختزلاً الكثير في كاميرته، وخلال تجواله صور فيلماً وثائقياً عن الجولان، لتعلق في ذاكرته الكثير من المشاهد التي حفظها جيداً ليعود بعد سنوات ويصور فيلمه الروائي الأول «المهد» عن الجولان السوري المحتل..

التقته «قاسيون» بعد أنهى تصوير فيلمه وقاربت على انتهاء عمليات المونتاج وكان هذا الحوار:

■ فيلمك الروائي الأول لماذا الجولان، وما الذي تحاول أن تقدمه فيه؟

■■ جاء هذا الفيلم في ظروف صعبة وغريبة، فقبل البدء في التحضير لهذا الفيلم كان في نيتنا أن ننتج فيلماً شبه كوميدي عن جلجامش على خلفيات سياسية هولندية..

إلاّ أن الخطط تغيرت وحاولت التفكير في فيلم  آخر وكانت كل الصور التي شاهدتها والحكايا التي سمعتها قبلاً في الجولان المحتل مازالت عالقة في ذهني، فبدأت بالتحضير لفيلمي الروائي الأول «المهد» والذي يروي قصة الجولان منذ احتلالها في 67 مروراً بالذروة التي وصلت إليها في بداية الثمانينات مع قانون الضم وفرض الهوية الإسرائيلية من قبل سلطات الاحتلال.

ونرى هذه الفترة التي تمتد سبعة عشر عاماً من خلال أفعال وردود أفعال مدرس تاريخ على ما يجري إلى أن يفقد شيئاً فشيئاً ثقته بالتاريخ وبنفسه ويصل به الأمر إلى أن يعود طفلاً وينام في مهد لعله يحلم في منامه بتصحيح مسار التاريخ..

أشك أن الموضوعية هي التي تسير العالم وتحرك الأحداث فهي أحياناً خدعة الحضارة تعرف وتستخدم من قبل القوي وكل أبطال فيلمي يستحوذ عليهم الشك، لكنني سعيت أن أضع بساطاً من الأمل تحت أقدامهم كي يرفعهم ذات يوم فوق شكوكهم دون أن يغادروا الأرض ويرمقوها في الأبراج العاجية. إن الإنسان الذي حاولت أن اصوره يداعب أمله ويلعق ألمه وهو يتحرك بين تضاريس الأرض لأنه جزء منها.

كما أن الفيلم مليء بالتفاصيل ترتبط ببيئة المكان والتي تدخل في نسيج الفيلم كالزواج عن طريق المعبر الحدودي والأفراح والمآتم عن طريق المايكرفون من على ضفتي الوادي، وكنت على علاقة قريبة بهذه العاناصر  خاصة أنني قد عالجتها سابقاً في أحد الأفلام الوثائقية التي صورتها.

■ هل يعتبر الفيلم من ضمن الأفلام التي تعمل على تاريخ الحرب العربية مع إسرائيل؟

■■ على العكس تماماً فقد حاولت قدر الإمكان الابتعاد عن التاريخية في هذا الفيلم خاصة أن هذه المنطقة قد تناولها الكثيرون من هذه الزاوية، فلم يكن الجانب التاريخي يلعب دوراً أساسياً  في الفيلم، بل كان في مكز داعم للموقف الدرامي، ومدى التأثر المتبادل بينهما.

■ لماذ الجولان بالرغم من أنك عراقي؟..

■■ أعتقد أن القضايا الكبرى ملك لكل الفنانين، وربما تكون هذه القضايا الكبرى في مكان آخر، إلاّ أنها قضايا تمسني بأكثر من شكل، ربما سأكون هناك لأصور فيلماً عنها.

■ كيف انتقلت من الصحافة إلى السينما؟

■■ تعتبر هذه  تجربتي الروائية الاولى فقد كانت جميع تجاربي السابقة في إطار الأفلام الوثائقية، والتي كنت قد جئت إليها قبلاً من الصحافة التي كنت امتهنتها مذ كنت في العراق ثم مارستها في هولندا، وخلال عملي في الصحافة سنوات عديدة ركزت على الجانب السمعي والبصري، فقمت بتصوير  مجموعة من الأفلام العربية في 4 بلدان عربية، لصالح التلفزيون الهولندي،

كانت هذه الأفلام تدور حول مواضيع محددة، فبعضها يحكي عن مشاكل اجتماعية في إطار سياسي محدد ، بالإضافة إلى تصوير الحياة اليومية والشؤون الاجتماعية، إن الأفلام التي أعمل عليها تحمل منحاً آخر فأنا أحاول أن ابرز التناقضات من خلال تغطية الجوانب الصحفية في وظيفة الفيلم الوثائقي بطبقة درامية، فيكتب سيناريو لهذه الأفلام بحيث يتجاور فيها الجانب الدرامي بجانب التوثيق الذي أقوم عليه، وقد تدخل إلى بنية الفيلم أحياناً أمور لا يحسب لها حساب.

تلاقي الأفلام الوثائقية في أوربا عموماً وهولندا، سوقاً راجة هذه الأيام وتعنى الكثير من المحطات بعرض هذا النوع الفني، لذا فإن سوية هذه الأعمال ارتفعت وبدأت الأشكال والتقنيات المستخدمة في هذه الأفلام تتطور وتصل إلى أماكن جديدة.

■ ما الذي دعاك إلى الاتجاه إلى السينما بعد عملك في الصحافة؟

■■ في الكثير من الأعمال الدرامية هناك خلفيات سياسية، كما أنني أعتقد أنه يجب أن يكون هناك صحفي في داخل كل مخرج، ففي صلب مهام أي مخرج هناك شيء من الصحافة، شيء من الواقع، وشيء من الأحلام.. وكثير من المخرجين كانوا قبل عملهم في مجال الإخارج صحفيين.. وفليني هو مثال مهم عن هذا التحول، فالسينما تلعب دوراً إعلامياً كبيراً لا يمكن أن نلاحظ هذا الدور في الوطن العربي، لكن في أمريكا وأوربا فالأمر مختلف، فنقل قصة من مجتمع معين إلى العالم هو شيء إعلامي، وقد كان لانتقالي من الصحافة إلى الأفلام الوثائقية دور كبير في وصولي إلى فيلمي الروائي الأول.. خاصة أن معظم أفلامي الوثائقية تحتوي على قصة، فيسير الجانب الوثائقي بالقرب من الجانب الدرامي.فصورت أفلاماً عن حياة راقص، حياة صعلوك، تمزق عائلة هولندية تعاني مع علاقة سابقة مع النازية.. وغيرها من الأفلام.

المخرج  يتعامل مع النص أيضاً، كما يتعامل مع كل القنيات الأخرى، إني أرى أن الفيلم كتاب مصور، وكيف ينقل هذه الكلمات إلى صور هنا جانب آخر من العملية.

■ ماذا عن فيلمك القادم؟

■■ الفيلم القادم مختلف تماماً .. فبعد أن أنتهي تماماً من عمليات المونتاج والمكساج، على المنتج الهولندي أن يطمئن على نتائج الفيلم، وعلي أن أهتم باختبار ردود أفعال المتلقين، وبعدها أقرر، لكنني أعتقد أن الفيلم القادم سيكون مختلفاً..

■ تشهد سورية هذه الأيام عمليات تصوير للكثير من الأفلام الأجنبية تتناول مختلف القضايا، فكان هناك فيلم من إنتاج إيراني وآخر فرنسي، وفيلمك، بالإضافة إلى أخبار عن تصوير فيلم بتمويل بريطاني فإلام ترد ذلك؟

■■ أعتقد أن السبب يعود إلى الثقل السياسي المتزايد الذي باتت سورية تقوم به في المنطقة، وهذا الكلام لا يأتي من فراغ، فسورية تدخل في جميع المعادلات الصعبة في المنطقة، وأصبحت تشكل مركز ثقل في كل الشرق، والمنطقة. ولقد تعرضت لأسئلة كثيرة عن سورية في برنامج يعرض في هولندا بعنوان (بقعة ضوء عالمية)، بالرغم من أنني صورت في الكثير من البلدان العربية كمصر، والمغرب، والأردن، إلاّ أن التركيز كان على سورية /لبنان. فهي المركز الذي تتوجه إليه أنظار العالم، الذي مازال عصياً على الجميع، ومن بين الأسئلة التي تعرضت هلا كان: «هل تعتقد أن سورية ستتخلى في لحظة ما عن الجولان؟» فأجبت أن هذا كلام فارغ، إن الجولان قضية مركزية ولا يوجد لدي شك بأن سورية ستتخلى عن الجولان بأي شكل من الأشكال.

فيلم «المهد».. بطولة

سليم صبري - عبد الهادي الصباغ - نادين - عبد الرحمن أبو القاسم - محمد حداقي - قيس شيخ نجيب - سوسن ارشيد - هناء نصور - سلافة معمار - ميسون أبو أسعد - وفاء العبد الله -جلال شموط - سيسيل بويكس.