رضوان محمد رضوان محمد

الولد الذي يأتي من ناحية الهذيان

أخيراً خرج محمد المطرود من «سيرة بئره» مع صدور المجموعة الشعرية الثالثة له بعنوان «ما يقوله الولد الهاذي» عن «دار الرائي للدراسات والترجمة والنشر»، وقد ضمت حوالي ثماني عشرة قصيدة منها: بطاقات، بعض الولد سيرته، نص الخديعة، ما تمّ سهوه، قلق السارد، عن نجمة تهتز، الولد الهاذي،  تحول، ملك ما.

استطاع محمد المطرود أن يوظف لغته الشعرية العالية وبلاغتها المتفجرة، بشكل حِرَفيّ ومتقن في دلالاته الشعرية المحفزة للذائقة في مجموعته هذه التي تأتي لتكمل انهماكاته السابقة في معاينة الذات .
فهو يعشق الطفولة التي تسكن روحه وتأبى أن تغادره في مجموعاته الثلاث عموماً: «ثمار العاصفة»، «سيرة بئر»، «ما يقوله الولد الهاذي»، وتظهر جليةً في هذه المجموعة منذ عتبة العنوان:«كصليب على ظهر كنيسة قديمة/ العصافير فوقي/ والصغار يرمونني بحجر/ كأني عدوهم/ آآآآآه/ لو يعلم هؤلاء الصغار/ كم أنا سعيد ببهجتهم/ وحزين لأن العصافير فرت».
كما يحلق شاعرنا إلى عوالم عديدة، ممتلئاً بالأمل ثم يرتد إلى ذاته الحزينة القلقة، فيكتب ما يستفزه من خوالج النفس المتعطشة إلى الحياة، ويسرد ما في ذاته بحزن :
«ما ذا لو كنت شجرة/ يحج إلي من أراد ظلاً أو فاكهة أو/ عاشقان يرتكبان الحماقة خلفي/ وينقشان على جذعي اسميهما/ وتاريخ فعلتهما اللذيذة/ ماذا يحدث لو كنت..../ فلا أمشي إلى أحد/ وانتظر الذي يأتي إلي».
ولا ينسى الشاعر محمد المطرود المرأة في قصائده.. وكذلك لا ينسى أصدقاءه، فالمرأة عنده انتماء أبدي تسكن باطنه، ولها أثر كبير في شعريته، فهي نبع غزير تسيل منه القصائد النبيلة التي تعبر عن مشاعر عاطفية قوية، منذ أن فقد والدته التي لم يحظ بحنانها، إلى نوى المرأة التي عوضته عن بعض ما فقده الشاعر:
«نُوى الوَلودُ/ من رحمها تتناسل قصائدي النزيهة/ وتطير كأنها طيور البهجة المستحيلة/ نوى البراري احتضنتني».
أما عن أصدقائه والمكان، فلهما وقع خاص في شاعريته، يعبر عنهم أصدق تعبير عندما يخاطب الناقد هايل الطالب: « هي سبع ساعات يقول الرواة:/ طريق الجزراوي إلى الشمس/  وكذلك إلى حمص».
أما قصيدته «ما يقوله الولد الهاذي» فهي نموذج حي عن اشتباك مع الواقع من خلال القصيدة التي تسكن وجدانه، عبر القلق والزمان والمكان، فيهرب إلى القصيدة التي صادته ليكتبها بروح حزينة:«الولد الهاذي نوم الشمس في فراشه/قال: هي لي/ وكانت له/ ثم قنص القطا العابر تحتها/ وأشرك روحه الحبيسة بأرواحها الطليقة/ وطار معها بصيفها إلى برك صغيرة/ واعداً صغارها بريش يطيرها/ وواعداً الأمهات بحنطة سمينة وماء/ وفير».
يبقى المطرود في هذيانه معلقاً في شباك الزمن الغادر، يهذي قصائد تحكي حيله، وغدره، وقصة حياته، ويبكي جسداً وروحاً غادرته، متيقناً بأنه لن يعود إلى حيث البداية أبداً.
«أعرف والمكيدة هذه أحاطتني
بأني لن أعود إلى ما كنت..... أبدا....».