رائد وحش رائد وحش

رأفت الزاقوت: الممثل هو من يدير الحوار بين الجمهور والخشبة

رغم أنه خريج تمثيل (المعهد العالي للفنون المسرحية عام 2003) إلا أن الحضور الأساسي لرأفت الزاقوت كان كمخرج، فقد أخرج العديد من الأعمال المسرحية منها: «نشاز»، «ديكور»، «الجمعية الأدبية».. محاورة رأفت غوص في شجون المسرح، هذا العالم «الذي تمت خيانته» باتفاق الجميع، لكنه مع هذا مستمر كمحارب دونكيشوتيّ، فمؤخراً أسس فرقة «باب» التي يُعِدّ لها مشاريع عديدة وبدورها تَعِدُ بتقديم إضافة ثقافية خاصة.. هنا حوار معه..

جميع المسرحيات التي اشتغلتها كوميدية... ما الذي يدفعك إلى الكوميديا بشكل خاص؟
لا ليست كل المسرحيات التي اشتغلتها كوميدية، مع أن الكوميديا تسحرني، ففي العام الماضي، وضمن فعاليات احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية، اشتغلت عملين هما: «نصوص الغرفة رقم 7» لمجموعة من الكتاب الشباب السوريين، و«حب، خوف.. دمشق وأصدقاء آخرون» للكتاب أنفسهم.

يمكنني القول إن أغلب خياراتي هي خيارات كوميدية لأن الكوميديا تحقق الحالة الأساسية في المسرح، وهي جذب الجمهور الذي هرّبناه... حياتنا كلها مزيج عميق مركب من الكوميديا والتراجيديا، فكيف للمسرح وهو الفن المنبثق من الفعل الإنساني أن يحيد عنها؟
بعيداً عن التصنيف تأسرني الموضوعات التي تمسّ البنى الاجتماعية. كما أن الخيارات تتحدد بمدى تحريك مفهوم الجمال لدي.
 
الكثير من مسرحياتك مقتبس من المسرح العالمي.. ألا تجد النص الذي تطمح إليه؟ وهل أصبح المعد (الدراماتورج) ينوب عن المؤلف؟
الفراغ هو من يجعلك تسعى نحو نصوص عالمية. آخر عرض للمسرحي الكبير بيتر بروك «المفتش الكبير» كان مقتبساً عن دستوفسكي، كذلك لا تزال أعمال شكسيبر وموليير وتشيخوف... إلخ تشتغل على مسارح العالم حتى الآن. لا شك أن وظيفة الدراماتورج حاسمة في صناعة العمل المسرحي، لكن هذا لا يعني أني لا أجد نصاً، فعدا النصوص السورية التي قدمتها في احتفالية دمشق أحضّر عرضاً بعنوان «دمشق ـ حلب» وهو من تأليف عبد الله الكفري.

لديك إيمان عميق بدور الممثل.. ترى هل كان تأسيس فرقة «باب» من الشباب الهواة نوعاً من البحث عن خامات أكثر قابلية لتصورك عن الممثل، أم أن هناك أسباباً أخرى؟
أولاً شباب فرقة «باب» ليسو هواةً، بل فيهم خريجو تمثيل وموسيقى ودراسات نقدية، وهم أيضاً خريجو «معهد أورنينا».. لكن إذا كنت تقصد المفهوم العميق لمعنى الهاوي فإنني معك من حيث المفاجآت التي يقدمها الهواة، إلا أن هذا لا يقلل من قيمة المحترف.
حسب رأي المسرحي والسينمائي انغمار بيرغمان (85%) من الإخراج تكمن في إدارة الممثل. ومن هذا المنطلق «البيرغماني» نعرف أهمية الممثل على الخشبة، لكن الذي يحدث في أعمالنا أن الإضاءة والصوت والديكورات هي التي تأخذ النسبة الأكبر من التركيز، بينما يغبن الممثل.. إن إعادة الاعتبار للممثل هي إعادة اعتبار للبنية المسرحية عموماً، فالممثل هو من يدير الحوار بين الجمهور والخشبة، هو جسر عبور المسرح إلى الآخر.
 
في عرضك الأخير «الجمعية الأدبية» هناك ذهاب قصدي إلى الهزل أكثر من البحث عن معنى وراءه.. هل تعتقد بأن الإمتاع وحده كافٍ دون مقولات ومقاصد؟
هذا رأي أخالفه.. إن الرسائل  تكون عميقةً حين تكون غير مباشرةٍ، وحين لا يكون هناك تركيز على إرسال الرسالة في «الجمعية الأدبية» ستة أشخاص مدعون يجتمعون كل أسبوع كي يتناقشوا في اللاشيء، ترى هل كانت رسالة العزلة واضحة من خلال الهدوء في مكان اجتماعهم المعزول؟ هل انتبه المشاهد إلى القطيعة التي تعيشها هذه الشخصيات، وهذه هي حال المثقف؟
ما أرغب به هو عمل يحاورك دون أن يعطيك ما تريد. لا نستطيع تحميل هذا النص ما لا يحمله. في الخمسين سنة الماضية كنا نحمل المسرح مشاكل كبيرة، ورغم أن هذه من واجبات المسرح لكن الشكل الذي تمت به أنهك المسرح.
المؤلف هنري أوفري اختار مجموعة من المدعين ليهز عالم المثقفين، فالثقافة الحقيقية هي أن تكون عندك وجهة نظر.. معالجتنا للنص مقترح أولي لأكثر من معالجة، لكننا حافظنا على المشكلة الأساسية وهي الفرق بين الجدل والثرثرة..
 
هل من أفق لمسرح سوري جديد؟
الأفق مفتوح وإيجابي بالرغم من الشكل الذي يوحي لنا به الظرف من انسداد الأفق، وأكبر دليل هو تشبث الشباب بالمسرح رغم كل محاولات ومغريات شدهم عنه.
الدعم الحقيقي للمسرح لا يأتي إلا من خلال المؤسسة: مديرية المسارح، وزارة الثقافة.. لأن الثقافة مشروع مستقبلي استراتيجي لا يأتي بنتائجه الآن.. يجب دعم كل التجارب بلا استثناء من أجل حراك حقيقي.. الثقافة هي المكان الذي يجب أن تصرف فيه النقود دون حساب للربح، ونظرة مقارنة عامة على حركة الترجمة والتأليف بيننا وبين العالم ترينا كم نحن مقصرون..