الصـورة والحـرب

■ الصورة الآن ستولد حالة وعي جديد لا يستهان بها

■ أمريكا خسرت الحرب قبل دخولها

■ بحث المتفرج عن «رامبو» في المارينز الأمريكي ولم يجدوه

في أحدى اللقاءت التي أجريت معه حول الحرب الأمريكية على العراق، تحدث المخرج الأمريكي أوليفر ستون قائلاً: «قبل البدء بالحرب توافد إلى العراق رسمياً ما يزيد على 200 مراسل إخباري، وربما يصل الرقم برأيي بين مجموع دول الخليج والعراق إلى الآلاف بين تقنيين ومصورين ومحللين، ومراسلين. بنيت هناك استوديوهات، ووضعت بعض هذه الكاميرات وراء متاريس، وأخذت هذه الآلة الإعلامية بالعمل، وبات المصورون ينتقون لقطاتهم، وأعتقد أنه أمر جديد نسبياً، أن نرى المونتاج يتكلم بشكل حي ومباشر، ليقول قوله جنباً إلى جنب مع المراسل، وربما وراء نفس المتاريس، أصبحت الصورة في الواقع بعيدة عن الواقع.. لكنها تحكي وتتكلم أكثر وأبلغ من الواقع، بالرغم من أنها لا تلامس الواقع.. حقيقة، إنها الدراما في الحرب، معادلة صعبة .. الصورة ..الحرب  أم الحرب ..الصورة.. الواقع كيف نراه ومن أين. ولماذا..

من هنا انطلقنا في سؤالنا:  «إلى أي مدى ستلعب الصورة دوراً في الغزو الأمريكي على العراق، في حسم هذا الغزو أو تفعيله، وإلى أي مدى ستتأثر مصداقية الصورة البصرية بمعناها الأشمل (تلفزيون - فوتوغراف - سينما- مسرح) بعد هذه الحرب؟»:

■■ الباحثة والأستاذة في المعهد العالي للفنون المسرحية ميسون علي:

نواجه اليوم صناعة إعلامية مرئية أو مسموعة، تنافس في أهميتها صناعة السلاح، وتفعل فعلها لدى الناس، بشكل أكبر. حيث تتوجّه هذه الصناعة إلى العقول، تعيد تشكيل وعي الإنسان المعاصر، كما أن تأثيرها بالغ وخطير على مراكز صنع القرار السياسي في كل الدول. لقد أخذت الصورة المرئية تقوم بتهويل سطوة وجبروت القوات الغازية، بهدف نشر اليأس والاستسلام قبل أن تقع الحرب على العراق، ثم وبعد ذلك صرنا نشهد كل يوم عدداً من التقنيات المتطورة التي تزيد فعالية وشدة تأثيرها، لا سيما وأنها أصبحت بعد هذه الطفرة في وسائل الاتصال توجه العالم. وأصبحنا نسير إلى نوع من الاحتكار (الخبر /الصورة) صياغته وإخراجه بالشكل الذي يريده صاحب السلطة. لسنا في حاجة إلى تأكيد أهمية الصورة المرئية في حياتنا، وفي الوقت الراهن بالذات، فأخبار الحرب تأتينا الآن بشكل قصص تروى من وجهة نظر أو أخرى، وتنقسم الدراما العالمية المتكشّفة كل أربع وعشرين ساعة إلى خطوط متعددة في قصة لا يمكن إعادة تكاملها إلاّ حين تفهم في منظور شخص أمريكي أو روسي أو إفريقي، شخص ديمقراطي أو جمهوري أو ملكي أو ماركسي، شخص بروتستانتي أو كاثوليكي أو يهودي أو مسلم. ويوجد خلف كل اختلاف في هذه الاختلافات تاريخ وأمل من أجل المستقبل. ولو عدلنا تلك الأخبار/الصور بواسطة تفسيرها من وجهة نظر مختلفة لتغير الكثير. إذ لا ننسى أنه بين الصورة والمشاهد هناك صانع الصورة، أي من يسيطر على ما سيروى ويشاهد وعلى كيفية رؤيته لعل هذا يسلط الضوء على الدور الذي تلعبه الصورة الإعلامية المرئية وغيرها من وسائل الإعلام في توجيه وإقناع الرأي العام بصواب هذا التوجه السياسي، وخطأ التوجه الآخر، كذلك يسلط الضوء على تلك المحطات التي يتوالى ظهورها على شاشات التلفزيون وتقدم صور الحرب، وفق مونتاج متقن وفريد، وتبدو النزاهة المغلفة بالموضوعية، منح الهدف من اصطياد أكبر  كمية من بسطاء الشارع العربي، ومراعاة مصالح مالكي هذه المحطات الفضائية، ومن وراءهم، أو بمعنى آخر مراعاة خياراتهم ومواقفهم  السياسية والعرقية والاقتصادية التي تتسرب من خلال مراسليهم. وهنا يحق لنا أن نتساءل حول مدى مصداقية الأخبار التي ينقلونها والكيفية التي يقدمونها بها. نحن كمشاهدين لا نرى الخبر/ الصورة بالشكل الموثق المطلوب، أي ما يحصل في هذه الحرب كما وقع بالفعل. نحن لا نرى سوى الصور التي تختارها القيادة العسكرية لعرضها لهم، بعكس الأفلام الحية والمفصلة لمعارك الحرب العالمية الثانية مثلاً، وحرب الفيتنام، وإلاّ كيف جرت المواجهة حول شبه جزيرة الفاو وميناء أم قصر؟ كيف قتل من قتل، وجرح من جرح؟ لا شيء على الإطلاق سوى منظر واحد بعيد لمدينة يخيم عليها الظلام، إلاّ من مصابيح الشوارع وذلك الوميض الذي يتصاعد مع اللهيب والدخان في الأفق، لمكان يحترق ولا نعرف أينه؟!

لقد أثبتت بعض الصور الإعلامية النزيهة أن القوة لا تقاس بقوة السلاح إونما بصلابة الروح والإرادة والتصميم على القتال حتى النفس الأخير.فقد تبين أن بارودة قديمة، كان لها دورها في طرد الإنكليز من قبل، أسقطت أحدث طائرات القتل الأمريكية، وأن وهم الأباتشي أسقطه عجوز فلاح دفاعاً عن الأرض بعفوية وبساطة.

نتساءل كيف يمكن للفن لاحقاً أن يعبر عن واقع يعرف من خلال صور إعلامية مضللة أحياناً. ما هي مرجعية الفن في هذا الحال؟

في الستينات لعبت الصور الإعلامية الموثقة فعلاً عن حرب الفيتنام دورها في التعبير الفني لقد دفعت هذه الأخبار والصور فرقة (read and puppet) الأمريكية إلى أن تقدم عرضاً مسرحياً بمواكبة الدمى العملاقة ولتلعب دوراً في دفع الشباب لرفض الذهاب الى حرب فيتنام. ونذكر أيضاً فرقة مسرح الحكواتي اللبنانية التي تفاعلت مع كل ما شاهدته وسمعته عن الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان سابقاً مما دفعها إلى أن تجوب القرى في تلك الفترة وتخلق مع الناس علاقة مباشرة وفعالة بالاتجاهين والأمثلة كثيرة. هذا لا يعني أن يتأثر الفن مباشرة بما يحدث، إذ يمكن للفنان أن يصمت أمام الحدث المسأله لها علاقة بالزمن، وبذلك التفاعل البطيء الذي يذهب في العمق، حتى إذا ما حان الوقت خرجت الأشياء من الداخل جديدة مختلفة وأبعد تأثيراً.

إن هذا التدافع المرعب والسريع للأحداث وكل المتغيرات التي تعصف بعالمنا اليوم وتحيله الى فوضى، قد بدأت تحفر عميقاً في ذواتنا وتؤثر في تكويننا الفكري وستكون بالنتيجة وراء حصول تحولات هامة في كافة مجالات الحياة(الفن -الأدب- التاريخ....إلخ) يتنامى لدى الإنسان اليوم الشعور بالقهر أمام استهتار القوى العظمى بالمعايير والقيم وعجز الأطر السياسية التقليدية عن التعامل الفاعل مع الأحداث، وقصور التيارات المتطرفة عن رسم منهج فكري صحيح، بالإضافة للقناعة المتزايدة بفراغ الخطاب السياسي والإيديولوجي السائد، وبالتالي ستكون هذه الفترة فترة الأخبار الضرورية  ( ولو كانت لا تحمل، إعلامياً، المصداقية المطلوبة ومؤلمة)  لمدى فاعلية كل التيارات المتناقضة، ومنها  ستتولد حالة وعي جديدة  لا يمكن الاستهانة بها، وسينعكس ذلك بشكل إيجابي على الفنون وكل أشكال التعبير الأخرى وعندها ربما نشهد ولادة مسرح جديد يختلف عما نعرفه اليوم.

■■ رمزي شقير (مخرج وممثل مسرحي):

ليست هناك حرب نظيفة. لا من أجل إحلال الديمقراطية أو لإحلال الديكتاتورية...والصورة البصرية بمعناها الأشمل تعكس هذه الحرب، وتحاول هذه الصورة وتسعى دائماً إلى تشويه الخصم وإظهار الذات بشكل أقل وساخة. وذلك وفقاً  للزاوية التي تنظر منها.

بالنسبة للحرب القائمة الآن /الأمريكية - العراقية/. فإنني أرى أن أمريكا خسرت الحرب قبل دخولها، لكنه يبقى محتملاً أن تربح المعركة.

لكننا نعود في النهاية إلى دور الصورة في صنع التاريخ، وارى أن التاريخ أقوى وأهم من كل تلك الأسلحة، ولكن من هم القائمون على هذا التاريخ، ومن يسيء إليه أولاً... صدام أم بوش... من أين نرى وكيف نكتب؟ أسئلة كثيرة علينا طرحها ..؟

الصورة البصرية قد تقدم الحماية لبعض الوقت، لكن التاريخ موجود باق  وسيستمر.

■■ محمد خير الجراح (ممثل): 

لقد أفرزت الحرب الأمريكية على العراق الكثير من الأمور والكثير من الأزمات والانقسامات التي لازلت تفعل فعلها في العمق ولم تظهر إلى السطح، وكل ما نشهده الآن على الساحة ليس إلاّ تجليات هذ الانقسامات والأزمات ولا نرى الأزمة الحقيقية، وسأتكلم هنا عن الأمور بشكلها المجرد: فجأة نسمع عن دولة ستقف في وجه دولة عظمى  وتقول أنها ستستخدم حق الفيتو ضد مشروع القرار الذي قدم .. بعيداً عمن هي هذه الدولة.. فإن في ذلك خطورة كبيرة .. ما الذي يقف وراء خطوة من هذا النوع ؟؟..إن هذه المعلومة الخطيرة بحد ذاتها في ظل الأحادية التي تعيشها الكرة الأرضية هي الوشاية الأولى عما يدور في الكواليس..وعما سيأتي لاحقاً.

وأعتقد أن هذا الزمن هو زمن طرح الأسئلة أكثر منه زمن تقديم إجابات، لذا فإننا لا نستطيع أن نتحدث عن ثورات فنية مرافقة الآن، أو تغيرات أو انقلابات على أي صعيد أدبي او فني، لأن كل هذه الصور المبثوثة بالرغم مما توحيه من زخم بصري إننا إن  دققنا فيها أكثر ، فما هي إلاّ مجرد ألعاب مونتاجية، وصور شرطية إن جاز التعبير..لذا فإنني أرى أن رد الفعل الذي نتحدث عنه على الصعيد الأدبي .. أو الفني أو الثقافي عامة لن يظهر بشكله الحقيقي حتى يتبلور الواقع بشكله الحقيقي ...والذي أصبح أكثر شرطية من كل أنواع الفنون والآداب..

وإذا عدنا إلى الخريطة الرقابية العربية بشكلها الحالي، ولا نعرف إن كانت ستستمر، فهل نعتقد أن هناك حيزاً من الحرية ممكناً لتقديم، قفزة في هذا المجال..

وإن نحن استبعدنا الشرط الرقابي العربي الذي يقف في وجه الكثير من الأمور ونظرنا إلى الإمكانيات الموجودة، فلا أعتقد أن هناك الشروط اللازمة لتحقيق قفزة كهذه على الصعيد العملي.

الامر يبدو من الآن واضحاً : فهناك سلسلة هائلة من الإنتاجات التي سترصد هذه الحرب، ليس بمعناها المادي والمباشر وإنما سنشهد معالجة عميقة من جهة الأدب والفنون كما قلت سابقاً الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت، إلاّ أن بعض التغيرات التي من الممكن أن أتحدث عنها الآن هو اكتشاف الجمهور الهوليودي لحجم الكذبة الإعلامية أمام الواقع، فهل سيصمد، هل ستستطيع آلة الإعلام الغربية أن تتابع عملها لتصنع نماذج جديدة من الأبطال، خاصة بعد سقوط الأبطال السابقين فقد بحث المتفرج العربي والعالمي طويلاً عن آرنولد ، ورامبو في المارينز الأمريكي، ولم يستطيعوا أن يجدوا إلاّ  صواريخ تطلق من المجهول إلى المجهول، وعوضاً عن رامبو، شاهدنا وقرأنا عن أبطال حقيقيين، ينتمون بشكل كبير إلى الواقع، أبطال استطاعوا بأبسط الأدوات، أن يوقعوا خسائر كبيرة في صفوف الجيش الأمريكي. 

■ أجرى الحوار: عمرو السواح

■ أُغلق تحرير هذا العدد مساء يوم الثلاثاء في

1/ 4/ 2003

 

■ «قاسيون» معكم دوماً من أجل: «الدفاع عن الوطن، والدفاع عن لقمة الشعب»! ومن أجل «الحفاظ على وجه الحزب المستقل»!