الأديب عبد المعين الملوحي: «كيف أصبحت شيوعياً»؟!
الملوحي من أوائل موقعي ميثاق شرف الشيوعيين السوريين
■■ يكفي لكل إنسان أن تكون له عين بصيرة ترى ماوراء ماتراه العين الباصرة وأذن مرهفة تسمع خلف ماتسمعه الأذن الظاهرة حتى يكون إنساناً أولاً وشيوعياً ثانياً..
■■ وحِّدوا صفوفكم، تجمَّعوا في حزب شيوعي واحد، فلعلكم إن فعلتم ذلك استطعتم أن تحققوا شعاركم العظيم: «وطن حر وشعب سعيد»، وإلا فأنتم ضائعون ووطنكم ضائع.
■■ لقد دنَّست الرأسمالية الأرض ومن عليها، آن لها أن ترحل، ولقد حان للاشتراكية أن تُطّهر هذه الأرض الحزينة وأن تنقذ أبناءها الأشقياء.
■■ المأثرة التي تضاف إلى سجل عبد المعين الملوحي هي ازدياد إصراره على أن يبقى شيوعياً، وهذا جوهر موضوع كتابه..
■■ لقد رزق الله فلسطين فتاة وفتاة وفتيات.. ولكنهن انتحرن حداداً على رجولة الرجال..
■■ البقاء شيوعياً في هذا الزمن الصعب هو كالقبض على الجمر..
عبد المعين الملوحي، علامة بارزة في الوسط الثقافي والأدبي.. أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب والمخطوطات والترجمات.. ومازال معينه لاينضب وهو في ريعان العطاء.. لم تزده السبعة والثمانون ربيعاً من حياته إلاّ تألقاً وأملاً في غد إنساني أكثر خضرة وأقل وحشة.. وبقي ثابتاً على المبدأ رغم التطورات العاصفة التي أخذت بألباب العديد من المفكرين نحو النهايات البائسة...
وفي حفل تكريمه وتوقيع كتابه «كيف أصبحت شيوعيا» الذي جرى في دار «المدى» بدمشق يوم الأربعاء 15/1/2003 بحضور عدد من الادباء والمفكرين والباحثين ورفاق دربه.. قدم الرفيق د. قدري جميل الأديب الملوحي بالكلمات التالية:
كلمة الرفيق د. قدري جميل
نجتمع اليوم لتكريم الشيوعي المزمن والمؤمن عبد المعين الملوحي بمناسبة صدور كتابه «كيف أصبحت شيوعيا».
السؤال الأهم الذي يخطر على البال بعد قراءة الكتاب هو: كيف بقي عبد المعين الملوحي شيوعياً بعد أن سقطت بلدان وأحزاب بكاملها؟!.. البقاء شيوعياً في هذا الزمن الصعب هو كالقبض على الجمر.. أن يصبح المرء شيوعياً، الأمر ليس بصعوبة أن يبقى كذلك في زمن التراجعات والهزائم.
المأثرة التي تضاف إلى سجل عبد المعين الملوحي هي ازدياد إصراره على أن يبقى شيوعياً، وهذا جوهر موضوع كتابه.
قد يختلف وقد يتفق المرء مع عبد المعين الملوحي حول تقييم هذه المرحلة التاريخية أو تلك، أو هذا القائد التاريخي أو ذاك، ولكنه لا يختلف معه على قضيتين أساسيتين: أولهما: أن الزمن قد سوّى الكثير من القضايا الخلافية، أي أن الحياة قد تدخلت وحسمت مواضيع كانت قيد النقاش، وحينما تحسم الحياة يتوقف النقاش.
ثانيهما: أن وحدة الشيوعيين السوريين اليوم مطلوبة أكثر من أي وقت مضى وممكنة التحقيق أكثر من أية لحظة مضت، وهذا مادفعه أن يكون من أوائل موقعي ميثاق شرف الشيوعيين السوريين، أي أنه ربط قوله بفعله، ولم يتردد لحظة واحدة حتى لو كلفه ذلك بعض الطلقات التي زادته إصراراً ورفعت من قيمته وهيبته.
ونستطيع القول أن الملوحي كثف جوهر كتابه بالقول: «لايمكن أن تكون صديقاً للمثل العليا عدواً للمساوئ السفلى إلاّ إذا كنت شيوعياً ذلك منطق التاريخ»..
النص الكامل لكلمة الأديب عبد المعين الملوحي
رفيقاتي رفاقي..
أخواتي إخواني…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل أن أبدأ كلمتي عن كتابي أرى من واجبي شكر دار المدى التي تكرمت فأصدرت هذا الكتاب. هذه الدار التي ستصبح عما قريب معلماً من معالم الثقافة في الوطن العربي كله، ذلك أنها أصدرت خلال السنوات القليلة الماضية 500 كتاب تقع في مئات الألوف من النسخ في مختلف مجالات الثقافة عبر سلاسل كتبها العديدة.
سلسلة الكتاب للجميع، سلسلة روايات المدى عربية وأجنبية، سلسلة كتاب المدى في طبعات رخيصة الثمن رفيعة المستوى.
وأنا أتمنى لهذه الدار الميمونة مزيداً من التطور والازدهار في اندفاعتهاهذه الرائعة ولسوف تستمر في ظل صاحبها النبيل أبي نبيل..
رفيقاتي رفاقي..
في كتابي هذا «كيف أصبحت شيوعيا» أودعت كل حياتي وأفكاري وعواطفي. لقد سجلت فيه تجربتي وذكرت الأسباب التي دعتني إلى تأليفه.
وإليكم بعض هذه الأسباب:
أولاً: في حياتي الشخصية..
هذه الحياة التي لقيت فيها ومنذ طفولتي ظلم الإقطاعية مرة بعد مرة، في العاشرة من عمري صب الماء على رأسي غلام إقطاعي وادعى ظلماً وعدواناً أني كتبت شتيمته على جدران المدرسة.
في الحادية عشرة من عمري طردني إقطاعي من قصره حين جئت لأدرس مع ولده في بيته بعد أن كان يدرس في بيتي، لأني فقير. في السابعة عشرة من عمري أسقطني إقطاعي آخر في الصف العاشر لأني فقير ولايجوز لي أن أتعلم، فالتعليم حلال للأغنياء حرام على الفقراء، ولو استطاع هذا الإقطاعي قطع أصابعي لقطعها كما كان يفعل إخوانه الإقطاعيون في أمريكا حين كانوا يقطعون أنامل الزنوج إذا تجرأ أحدهم وتعلم كتابة الأبجدية.
فلماذا لا أكون شيوعياً؟
ثانياً: في بلدي حمص..
1 ـ في الحرب العالمية الثانية اجتاح بلدي وباء الملاريا، فجمعت مع رفاقي مبلغاً من المال واشترينا به أقراصاً معدودة من (الكينا) وهو دواء البُرَداء، وجعلنا نطوف على بيوت الفقراء ونوزعها عليهم. كانوا ينامون هم وأولادهم على أكياس من القنب ممزقة،وهم يرتعدون مرضاً وجوعاً، صفر الوجوه، ناحلي الجسوم تكاد أضلاعهم تخرج من صدروهم.
في حي أولئك الفقراء، وهو حي خالد بن الوليد، قام مستنقع كبير بنشر الوباء فماذا فعلت الدولة للقضاء على الوباء؟
وضعت في وسط المستنقع لافتة كبيرة كتبت عليها:
(البعوض ينقل الملاريا)
ويبدو أن البعوض ـ لعنه الله ـ كان أمياً فلم يقرأ اللافتة ولم يرحل وظل يفتك بالفقراء.
2 ـ كان بيت أبي في حمص ملجأ لمن بقي من الثوار الذين انضموا إلى الثورة السورية الكبرى التي أضرم نارها البطل العربي سلطان باشا الأطرش.
من هؤلاء الثوار كان عمر المجرص الذي اتخذني وأنا في التاسعة من عمري صديقاً له وهو في حوالي الأربعين من عمره. كان يعطيني مسدسه الفارغ لألعب به، ومرت سنة، كنت خارجاً من مدرستي في طريقي إلى بيتي، فإذا الطبول تُقرع، وإذا الأبواق تُنفخ،وإذا الفرنسيون يحتفلون بقتل صديقي عمر كأنهم يحتفلون بالنصر في معركة «فردان».. فرقة المشاة من أمام، وفرقة من الفرسان من وراء وبين الفرقتين حمار أعجف ألقوا على ظهره صديقي الشهيد عمر. كان رأسه يضرب حجارة الأرض ويهم أن ينهض فلا يستطيع.
كنت طفلاً لم يتعلم البكاء ولكن حزني على صديقي الشهيد تغلغل في روحي ومايزال..
3 ـ وهذه حادثة ثالثة:
رسم أخي الكبير في صدر بيتنا العلم العربي، فاعتقله الفرنسيون وسجنوه، وخاف أبي على أولاده الآخرين فجاء بسطل من الكلس فمحا به العلم العربي.
ماأزال أذكر، أبي يصعد السلم وأمي تمسك به،ونحن الصغار ننظر إلى العلم، ولا نعرف لماذا رسم؟ ولانعرف لماذا طمس؟ ونتعجب..
فلماذا لاأكون شيوعياً؟
ثالثاً في دمشق:
انتقلت من حمص إلى دمشق بعد أن أسقطني الإقطاعي في الصف العاشر لأتابع دراستي فمت في دمشق جوعاً. تمضي أيام علي وأنا جائع. كانت الدنيا تغيم في عيني،وكانت الطبول تقرع في أذني، وشعرت مراراً أني أكاد أسقط على الأرض، وفي المدرسة كنت إذا حدثني رفاقي أدير لهم وجهي لكيلا يشموا رائحة فمي. أهكذا إذن يشعر الجياع؟
ذات يوم أفقت عند الصباح فملأت بطني بالماء وسرت على ضفاف نهر تورا، فإذا وجدت حشيشة خضراء قذفتها في فمي، وإذا وجدت تفاحة عجراء ألقيتها في معدتي، فإذا بي أعثر على ليرة سورية…..
اسمحوا لي أن أقص عليكم هذه الأسطورة:
خرجت من مدرستي عند الظهر ومضيت إلى مطعم عند طرف سوق الحميدية في طريق «الحريقة» أكلت رغيفين وأوقية لحم مشوي وزبدية سلطة، ودفعت ثلاثة قروش ونصف قرش. كفتني تلك الليرة الواحدة عشرة أيام.
منذ ذلك العهد القاسي من الجوع قررت أن من الجريمة أن يجوع إنسان، قررت ألا أترك في الأرض جائعاً. ولكني ـ وياللأسف ـ لم أستطع ولا أستطيع، أترى ستشهد الأرض من يستطيعون؟
فلماذا لا أكون شيوعياً؟
رابعاً: في مصر..
زرت مصر للدراسة في الجامعة سنة 1943، كان الفقر يفقأ العيون ويصم الآذان، جماهير الشعب حفاة عراة جياع، وقامت الحكومة المصرية، لحل مشكلة الفقر، بتوزيع أرغفة على الصعيد، كتبت يومها مقالاً في مجلة «الفجر الجديد» عنوانه: «ليس بالصدقات يحيا الشعب». وانفجرت ثورة عام 1952، فقلمت أظفار الإقطاعيين والرأسماليين وحققت للفلاحين والعمال بعض المكاسب. وفجأة حلت الكارثة بالشعب المصري فحكمه من أعاد للإقطاعيين أراضيهم وللرأسماليين مظالمهم وطغيانهم وانتزع من الفلاحين والعمال مكاسبهم، وزاد على ذلك فزار القدس المحتلة، وحالف إسرائيل وغرس علمها في القاهرة فوق قبر عبد الناصر..
فكيف لا أكون شيوعياً؟
خامساً: في فلسطين..
في فلسطين شعب عربي يقاوم وحده سلاح الرأسمالية العالمية العاتية بيد الصهيونية الوحشية.
عندما ترجمت «تاريخ الأدب الفيتنامي» من أول عصوره حتى اليوم في أربعة مجلدات وثلاثة آلاف صفحة أردت أن يكون كفاح هذا الشعب البطل دستوراً لنضال شعب فلسطين، فإذا هذا الشعب يستوعب دروس فيتنام ويزيد عليها، وإذا الصبايا يفجرن أجسادهن، وإذا الشباب يفجرون أجسادهم في وجه أعداء الحرية والحياة.
قال الشاعر القروي:
إلهي بلينا بقحط الرجال
أما من فتاة لهذا الوطن؟
بلى ياقروي. لقد رزق الله فلسطين فتاة وفتاة وفتيات، ولكنهن انتحرن حداداً على رجولة الرجال..
أما نحن العرب فنتفرج على مذابح إخواننا أهل فلسطين، كأننا نتفرج على فيلم في السينما.
فلماذا لا أكون شيوعياً؟
سادساً: في باكستان..
زرت باكستان ثلاث مرات:
كان الشعب يأكل طعامه على ضفاف المجاري المفتوحة، وكان ينام في بطون قساطل المياه الفارغة.
دعاني صديق إلى زيارة دارته. فإذا برجل يفتح دفة البوابة اليمنى، وإذا برجل يفتح دفة البوابة اليسرى، سألته: أليس رجل واحد يكفي لفتح الدفتين؟ قال: أريد أن أدفع لكليهما أجراً يعيشان به مع عائلتيهما وسألته: وما هو أجر كل واحد؟ قال: ثلاثون روبية يعني دولاراً لكل أسرة في الشهر الكامل.
وتسألونني: وماذا فعلت أنت، وقد رأيت هذا الفقر المخيف.
وأقول لكم: لقد ألقيت، أنا الإرهابي أربع قنابل: ألقيت قصيدة محمد إقبال «لينين أمام الله» في أربعة أماكن:
في مؤتمر إقبال في لاهور، وفي ثلاث جامعات في الباكستان.
وهل يستطيع الأديب الغريب أن يفعل أكثر من ذلك؟
في هذه القصيدة «لينين أمام الله» ـ وهي قصيدة ثورية عجيبة قالها شاعر الإسلام ـ يأمر الله ملائكته فيقول:
هلموا فأيقظوا في كوني الفقراء
هلموا فانزعوا أسوار قصور الأغنياء..
ونسي إقبال ـ عفا الله عنه ـ أن يذكر أن الله قال:
وادخل أنت يا لينين الجنة.
فلماذا لا أكون شيوعياً؟
سابعاً: في الهند
صليت الجمعة في مسجد نيودلهي الكبير: تصعد إلى المسجد في درج طويل عريض. كان الشحاذون يملؤون جانبي الدرج عن شمال وعن يمين.
رأيت فيما رايت مريضاً مصاباً بفتق في أمعائه وهو يستجدي بفتقه الأصفر الملتهب والذباب يحوم على الفتق مرة ويسقط عليه مرة ثم يحوم.
رأيت فيما رأيت شاباً مصاباً بالجذام. كان الذباب يدخل من فمه ليخرج من أنفه أو يدخل من أنفه ليخرج من فمه.
قلت لرئيسة الوزراء «أنديرا غاندي»: لا ينقذ الهند إلا نظام شيوعي كنظام الصين.
قالت: لست مستعدة لإراقة نقطة دم واحدة لتغيير النظام البرجوازي القائم. وقلت في نفسي: إذن فهي مستعدة لإراقة دماء شعب كامل يذبحه المرض والجوع.
فكيف لا أكون شيوعياً؟
ثامناً: في الصين…
زرت الصين مرات ثلاثاً ودرَّست اللغة العربية في جامعة بكين.
كانت ثماني دول استعمارية تحتل الصين. كان الجوع يفتك بعشرين مليوناً من سكانها كل سنة، وكان الوباء يفتك بعشرين مليوناً من سكانها كل سنة.
وقام النظام الشيوعي، فلم يمت أحد من الجوع ولم يمت أحد من الوباء. مررت بمقر ماوتسي تونغ. كان يسكن في ملحق الخدم التابع لقصر الإمبراطور في ثلاث غرف. رأيت أمام بوابة مقره جندياً واحداً بغير سلاح يغدو ويروح:
هكذا لا يحمي الثورة إلا الثوار، هكذا يعيش الثوار..
فكيف لا أكون شيوعياً؟
تاسعاً: في فيتنام…
لم أزر فيتنام، وقد دعتني مرتين لزيارتها بعد ترجمتي لتاريخ أدبها، ولكن رفاقي ـ سامحهم الله ـ قالوا لها: إن عبد المعين الملوحي يموت فلا ضرورة لدعوته، وها أنتم هؤلاء ترون أني ماأزال أعيش وما أزال أتكلم.
ولكني زرت حدود فيتنام مع الصين عند مدينة (كونمين).
لقد رأى العالم هذا الشعب الشيوعي البطل يمرغ بالتراب أنف أكثر الدول الرأسمالية عنفواناً وبطشاً وطغياناً، شعباً حرر نفسه، ووحد أرضه وأطلق اسم العم ـ هوتشي مينه ـ وهو عم كل الشعوب المُضطَهَدة ـ على سايغون عاصمة العملاء والدخلاء.
فلماذا لا أكون شيوعياً؟
عاشراً: الاتحاد السوفييتي..
زرت الاتحاد السوفييتي مرتين على حسابي: رأيت شعباً يبني الاشتراكية ويحمي الإنسانية، رأيت شعباً بدأت تتغلغل فيه الأخلاق الشيوعية، ولاسيما بعد الانتصار المؤزر على الغزاة النازيين في الحرب العالمية الثانية.
قال لي أحد الأصدقاء: سألت عاملة في مصنع للبيرة: ألا تستطيعين أن تأخذي ما تريدين لبيتك من قوارير البيرة؟ قالت: أستطيع ولكني بذلك أساهم في إنقاص إنتاج الاتحاد السوفييتي.
هذا برعم من براعم الأخلاق الشيوعية بدأ يتفتح يا ليت استمر في تفتحه. ولكن الاستعمار العالمي رأى أن الاتحاد السوفييتي يزداد تألقاً وأن المعسكر الاشتراكي كاد يتفوق على المعسكر الرأسمالي قوة وتقدماً فعمد إلى شراء عدد من العملاء في الداخل، واستغل أخطاء الحزب الشيوعي، فإذا الاتحاد السوفييتي ينهار وإذا المعسكر الاشتراكي يتفسخ وإذا شعوب العالم الثالث وخصوصاً الشعب العربي تصبح كالأيتام على مأدبة اللئام. وإذا روسيا تتحول إلى دولة من الدرجة الثالثة، وإذا شعبها مشرد جائع تحكمه عصابات المافيا وأوغاد صهيون. فلماذا لا أكون شيوعياً أولاً؟ ولماذا لا أحلم بعودة الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي عما قريب ثانياً؟ وأعتقد أنهما سيعودان.
منى إن تكن حقاً تكن أحسن المنى
وإلا فقد عشنا بها زمناً رغدا
حادي عشر: في جنوب أفريقيا..
أسألكم بوجدانكم: أيمكن لإنسان فيه ذرة من ضمير أن يرى شعوب أفريقيا الطيبة تباد وتسحق ثم لا يتألم؟ أيمكن ألا يؤرقه منظر الأطفال وقد انتفخت بطونهم من الجوع، وهم يسيرون كالأشباح أو كالهياكل العظمية؟
لقد سرق العالم الرأسمالي أفريقيا رجالاً ونساءً وأطفالاً وساقهم ليكونوا إليه عبيداً أوخدماً، وتركها فريسة للفقر والمرض والجوع.
كتب هوتشي منه: رأت سفينة في المحيط الأطلسي براميل تطوف على سطح الماء فظنت أن هنالك سفينة أخرى تخفف من حمولتها حتى لا تغرق فلما فتحت البراميل فإذا فيها زنوج من أفريقيا مقيدون بالأغلال.
مانديلا عملاق العالم الثائر استطاع إسقاط النظام العنصري البغيض بعد ثلاثين سنة من السجن في جنوبي أفريقيا وسينبثق في أفريقيا. بل بدأ ينبثق في أفريقيا عمالقة آخرون ممن سينقذون كل القارة السمراء.
فلماذا لا أصبح شيوعياً؟
ثاني عشر: في العالم..
أثارت الرأسمالية في القرن العشرين حربين عالميتين ضاريتين:
مات في الحرب الأولى عشرون مليون إنسان. وسقط في الحرب الثانية خمسون مليون قتيل.
قال العلماء المختصون:
لو أن العالم أنفق على عملية البناء والسلام ما أنفقه على الحرب والدمار لأصبحت الصحراء الكبرى جنةوارفة الظلال تجري من تحتها الأنهار، أو لكان لكل إنسان في الأرض دارة (فيلا) وأمامها حديقة.
فتأملوا مقدار ماترتكبه الرأسمالية من جرائم في حق الشعوب.
وهاهي ذي الآن تمهد لإثارة حرب عالمية ثالثة تبدؤها بالهجوم على العراق وتثنيّها بالعدوان على الأمة العربية وتثلثها بحرب كوريا الشمالية. لقد زرت كوريا وعرفت شعبها الباسل، وقد هزم المستعمرين أول مرة وسيهزمهم ثاني مرة.
الرأسمالية تحلم بالسيطرة على العالم كله في القرن الواحد والعشرين كما كان هتلر يحلم بالسيطرة على العالم في القرن العشرين.
فلماذا لاأكون شيوعياً ولماذا لا تكونون أنتم جميعاً شيوعيين؟
أيتها الرفيقات أيها الرفاق:
لقد لخصت لكم في اختصار شديد بعض العوامل الشخصية والوطنية والقومية والإنسانية التي دعتني لأن أكون شيوعياً وشيوعياً مزمناً منذ عام 1938 وماأزال شيوعياً وشيوعياً مزمناً مع احتفاظي بقوميتي واحترامي لكل القوميات ودفاعي عن حقها في تقرير مصيرها، ومع احتفاظي بعقيدتي واحترامي لكل العقائد والأديان.
أيها الإخوان:
يكفي لكل إنسان أن تكون له عين بصيرة ترى ماوراء ماتراه والعين الباصرة وأذن مرهفة تسمع خلف ماتسمعه الأذن الظاهرة حتى يكون إنساناً أولاً وشيوعياً ثانياً، وأحمد الله أنه وهب لي تلك العين ووهب لي هذه الأذن.
أيها الرفاق الشيوعيون أيتها الرفيقات الشيوعيات:
لي إليكم رجاء، لي إليكم وصية، وصية عجوز بلغ السابعة والثمانين من عمره فأرجو أن تقبلوها:
وحدوا صفوفكم، تجمعوا في حزب شيوعي واحد، فلعلكم إن فعلتم ذلك استطعتم أن تحققوا شعاركم العظيم: «وطن حر وشعب سعيد»، وإلا فأنتم ضائعون ووطنكم ضائع.
إخواني أخواتي:
لعلي أطلت عليكم ولكن نفثة المصدور ـ وإني لمصدور ـ طويلة أولاً ومحرقة ثانياً، فاعذروني.
ورحم الله المعري حين قال:
الأرض للطوفان محتاجة
لعلها من درن تغسل
لقد دنست الرأسمالية الأرض ومن عليها، آن لها أن ترحل، ولقد حان للاشتراكية أن تطهر هذه الأرض الحزينة وأن تنقذ أبناءها الأشقياء.
يقول ابن خلدون: إن للدول أعماراً كما أن للناس أعمار.
ويرى ماركس: إن للنظم الاقتصادية والاجتماعية آجالاً كآجال الدول وقد طال عمر النظام الرأسمالي فمتى يموت؟
اشكر لكم حضوركم وحسن استماعكم، وأشكر دار المدى التي أتاحت لي لقاءكم الغالي هذا، وأخص بالشكر السيدة أم الحسن رفيقة الثائر العربي الشريف النظيف مؤسس المشاعية المشرقية الأستاذ هادي العلوي ـ رحمه الله ـ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.