جائزة الأدب والمركزية الغربية نوبل الباهتة
مرة أخرى تخالف الأكاديمية السويدية التوقعات وتمنح لجنة جوائز نوبل اللقب الأدبي الأرفع عالمياً لكاتب خارج بورصة التوقعات، حدث ذلك العام قبل الماضي مع الكاتبة البريطانية دوريس ليسنغ التي أصبحت في عمر جدة وقد تجاوزتها الجائزة طويلاً وهي في عز ازدهارها الأدبي لتتذكرها بعد أن نسيها الناس، وقبلها بعامين تذكرت نوبل المسرحي البريطاني هارولد بنتر وهو في أرذل العمر، وبنتر أحد أبرز وجوه الجيل الغاضب في المسرح الإنكليزي الذي ظهر في الخمسينيات من القرن المنصرم، أما الروائي الألماني غونتر غراس فحصل على الجائزة بعد مضي وقت طويل على صدور روايته الشهيرة «طبل الصفيح» ونيله التكريس كأبرز كتاب اللغة الألمانية الأحياء، الفرنسي لوكليزيو (نوبل 2008 ) لم يكن من الأسماء المتوقعة، التركي أورهان باموك نال الجائزة عام 2006 بعد أن حامت حوله بقوة في العام 2005 ، وجاء فوزه وسط لغط كبير حول مواقفه السياسية وهذا الاعتراف المتأخر بالأدب التركي أتى بعد عقود من تجاهل ناظم حكمت ويشار كمال.
إذا تأملنا أسماء الفائزين بجائزة نوبل للآداب في العقد الأخير لوجدنا أن جميعهم أوربيون مع استثناء كويتزي الجنوب أفريقي الأبيض (قبلها منحت الجائزة لمواطنته البيضاء المعادية للعنصرية نادين غورديمر)، وباموك التركي المتأورب، ونايبول الهندي – التريندادي الذي قرر أن يصبح بريطانياً، وما نريد أن نصل إليه لا يلغي إنسانية كويتزي وموقفه من العنصرية وموهبة باموك واستحقاقه للجائزة، متجاهلين وصمة العار المسماة نايبول الذي فضلت لجنة نوبل أن تمنحه جائزتها في عام 11 أيلول بالتناغم مع مواقفه العدوانية من العالم الإسلامي.
تقول سجلات جائزة نوبل للأدب إن 82 أوربياً حصلوا عليها من أصل 102 إضافة إلى 10 أمريكيين يمثلون بلداً ولا يمثلون قارة، وحتى لو انتقلنا إلى العالم الجديد مع أسماء لاتينية كأستورياس وباث وماركيز ونيرودا وميسترال وجميعهم كتبوا بالإسبانية فإننا لا نخرج عن إطار الثقافة الغربية لا من حيث اللسان بل من حيث التكوين والتقليد الأدبي.
وفي الإطار الأوربي نفسه تجاهلت نوبل عمالقة كتولستوي (المتوفي عام 1910) وجويس وفيرجينيا وولف وسيلين (الفنان العظيم والعنصري المفزع) وبروست وموزيل وأمريكياً لن يجد فوضوي كتوماس وولف واثنان من جيل «البيْتْ» كجاك كيرواك وآلن غينسبرغ مكاناً لهم ، وسوفياتياً كانت الجائزة متخصصة بالمنشقين كبونين وباسترناك وبرودسكي وإن نست الكبير بولغاكوف والشاعرتين آنا آخمدوفا وماريا تسيفاتيفا وإن لم تستطع تجاهل ميخائيل شولوخوف لكن تجاهلت فالنتين راسبوتين ورسول حمزاتوف وجنكيز ايتماتوف.
عربي واحد هو نجيب محفوظ حصل على الجائزة، وبعدها كان الاسم العربي الآخر المتوقع هو أدونيس، وليس المرشح بالضرورة، وهو اسم مناسب لمعايير الجائزة مع التباس رؤيته السياسية رغم ضعف تمثيله لأدب ولغة، بينما اسم ثانٍ يعبر عن وجدان شعب وتطلعاته ويمثل لغة وثقافة بشكل أصيل كمحمود درويش لا يطرح للتداول لأن هويته بحد ذاتها تمثل إحراجاً لسردية غربية مستقرة.
هذه السردية أو الرواية الغربية هي التي تحمل اسماً مغموراً حتى غربياً كهيرتا مولر الحائزة على الجائزة هذا العام إلى سدة التتويج، فخطاب الحريات ومقاومة دكتاتوريات أوربة الشرقية الذي أكل الدهر عليه وشرب ما يزال فاعلاً، والرطانة السياسية حول المحرقة (نتذكر نموذج الهنغاري اليهودي إمره كورتيس الناجي من الهولوكست والحائز على نوبل والذي لم يقرأه أحد) والإخوة الكبار من الحكام (كما لدى أورويل الذي لم يمنح الجائزة) لا تزال تؤتي أكلها، أما الحديث عن سلاطين «مدن الملح» للراحل الكبير عبد الرحمن منيف فلا يطيب للجنة نوبل سماعه، بالمقابل لا بأس من منح الجائزة لشاعر أثري كالفرنسي ميسترال ولكاتب متواضع كإلياس كانيتي.
لا يمكن عزل فوز الكاتبة النمساوية الراحلة ألفريده يلنيك بجائزة نوبل عام 2004 عن موقفها الشجاع من اليمين القومي المتطرف في بلادها، لكن هذا الموقف الذي يثمن والذي لا يكفي وحده في حالة كاتبة مبدعة يرفع من أسهم اسم أدبي في سياق أوربي وغربي إلا أنه يعمل بصورة مضادة إذا تعلق الأمر بالتصدي لعنصرية غربية استعمارية، منحت نوبل اليمينية وإن ادعت هوية إنسانوية لأسماء يسارية أوربية جاهرت بمواقفها دون تحفظ كساراماغو وبنتر وداريو فو، لكن مع يسار العالم الثالث في حالة كاتب كسعد الله ونوس فإن الأمر يتطلب أكثر من وقفة، فذلك الجدار من الغربة الروحية والثقافية عن آلام الآخرين وحضارتهم يخلق عناءً تجد الأكاديمية السويدية أنه لا يستأهل تجشمه.
وهكذا فلتستقرب لجنة نوبل ضمن دائرتها الجرمانية (اسكندنافيا وألمانيا وبريطانيا) ولتتابع لا مبالاتها، ويحق لها أن تكتشف المزيد من الأسماء عبر المنظورات والطروحات والرؤى نفسها، لتأكيد ما جرى التأكيد عليه مراراً.
جائزة نوبل، الأمم المتحدة، الشرعية الدولية، عناوين ثقافية وسياسية نحتفي بها ونحولها إلى معايير ونحن الذين لم نساهم في صياغتها بقدر ما نقولب أنفسنا لتتواءم مع معاييرها المخترقة بالمصالح البشرية والدنيوية والتي تدعي تصوراً كونياً يصلح للجميع، ربما آن الأوان لاجتراح موازين أخرى