لقاء مع المخرجة السينمائية يمينة بن غيغي العرب في الشرق لا يعرفون العرب في الغرب

■ نحن لا نبحث عن الثقافة الأخرى بل ننتظر أن تأتي إلينا

■ لا أحد يطرح السؤال: لماذا الهجرة؟

ولدت المخرجة يمينة بن غيغي في شمال فرنسا من أب وأم جزائريين في عام 1957 وقد كرست مسيرتها الفنية لقضايا الهجرة إلى الشمال، بدأت مشوارها الفني كمساعدة مخرج، لتؤسس فيما بعد شركة إنتاجها الخاصة، وقد قامت ولفترة طويلة جداً بإخراج مجموعة كبيرة من الأفلام الوثائقية الهامة منها : نساء من الإسلام، يوم للجزائر، ذكريات مهاجرين،وغيرها من الأفلام، كما عملت على الكثير من الأفلام الوثائقية القصيرة، وأشهرها رحلة تلا أمينة الكبيرة.

تعالج أعمال يمينة بن غيغي موضوع الإسلام والمرأة والجنس والعلاقات الاجتماعية في العالم العربي، وذلك من خلال هجرة العرب المغاربة إلى فرنسا وتقول في إحدى لقاءاتها أنها تقوم بذلك لتضع حداً لأربعة عقود من الصمت، كما يعتبر فيلمها «ذكريات مهاجرين» نقطة مفصلية في تاريخ معالجة الكثير من القضايا العربية على وجه العموم وقضية الهجرة على وجه الخصوص.

أول أفلامها الروائية «إن شاء الله الأحد» والذي عرض ضمن فعاليات المهرجان السينمائي للأفلام الفرانكوفونية والفرانكوآرات، هو واحد من الأفلام الهامة على صعيد تناول قضايا المرأة والعرب، وقد حصد مجموعة كبيرة من الجوائز منها جائزة أفضل فيلم في الدورة الأولى لمهرجان مراكش  الدولي، وجائزة النقاد الدولية في مهرجان تورنتو.

التقيناها على هامش المهرجان الذي أقيم في دمشق قبل أيام وكان لنا معها هذا الحوار:

■ بالرغم من أنك تعملين على قضايا تمس المنطقة بشكل كبير إلاّ أنك لست معروفة هنا إلام يعود ذلك؟

■■ لا أعرف السبب تماماً إلاّ أنني الآن معروفة في الكثير من البلاد في لبنان وفي المغرب العربي بشكل واسع، وفي كل دول أوربا، ربما يعود السبب إلى أننا لا نبحث عن الثقافة الأخرى بل ننتظر  أن تأتي هي إلينا، وليس هناك إقبال كبير على الثقافة الفرنسية كما هو الحال مع الكثير من الثقافات التي غزت المنطقة،  كما أن الطابع الرسمي الذي تتسم فيها العلاقات الثقافية ساهم في قلة التواصل وخاصة في سورية.

■ لماذا اخترت هذه الموضوعات لتكرسي لها جل اهتمامك الفني؟

■■ لأنه لدي شعور قومي أو لأنني أعرف أن هذه الموضوعات التي أطرحها ليست موضوعات بعيدة عنا لكنني أقدم قراءة أخرى لذاك العالم العربي الآخر الموجود في الخارج، عالم عربي له كامل مقوماته أعرافه وتقاليده،  وقد أخذ وقتاً طويلاً في بناء نفسه، وأنا أعرف أن هؤلاء العرب يعيشون عزلة من نوع ما يجب أن يماط اللثام عنها. هناك عزلة بين الغرب العربي والشرق بمعناه الأوسع!!

■ هل تقصدين بالغرب عن حالة إنقسام بين مغرب عربي ومشرق؟

■■ ليس هذا الموضوع الذي أناقشه بل انا أتحدث عن مجتمع آخر قائم في قلب أوربا أنا أحكي عن هؤلاء الأشخاص الذين أخذوا من بلادهم ووضعوا في أوربا وفي فرنسا، أتحدث عن آلامهم وهمومهم ومشاكلهم، ومن أين أتوا وبذلك أقدم نظرة أوسع،.. لماذا جاءوا.. لماذا …واليوم هناك حركة قوية في هذا المجال للحديث عن  هذا المجتمع، اليوم يوجد مخرج جزائري آخر يتحدث عن بعض الأشخاص الذين أخذوا من بلادهم في فترات متباعدة ليزرعوا في مكان آخر في بيئة مختلفة هؤلاء ناس لا تعرفونهم إنهم المهاجرون.

■ كيف تستطيعين برأيك كفنانة أن تخدمي المرأة وكيف تتناولين الموضوعات التي تقدمينها؟

■■ لقد بدأت منذ فترة طويلة بذلك وعملي يقوم بالحديث عن المرأة في العالم المسلم كله، وقد تناولت في أفلامي كل الحالات والأشكال للمرأة، وسعيي في اتجاه تحرير هذه المرأة من مجموعة من الضغوطات وذلك من خلال توضيح أن هناك عادات وتقاليد إسلامية موجودة في الكثير من المناطق الإسلامية التي تعمل على قهر المرأة، هذه التقاليد ليست موجودة في كل مكان فبعضها كنوع لباس المرأة أو الختان أو علاقتها مع العائلة ومع العمل موجودة في بعض الأماكن وفي أماكن أخرى يكون الإسلام متحرراً منها ومنفتحاً، فالصلاة نفسها التي تصليها المرأة في كل مكان من العالم لا تربطها بمنظومة التقاليد المتخلفة التي توجد في هذا البلد أو ذاك، أنا أريد أن أوجد الرابط الحقيقي ما بين الدين من جهة والتراكمات الاجتماعية الاقتصادية الثقافية والسياسية، التي دخلت في صلب إطار الدين، وهذا لا ينعكس على الدين الإسلامي وحده لكنه الوحيد الذي لم يتم فيه البحث بعمق في هذا الاتجاه إن ما أقدمه يصب في عملية بحث متكامل لإيجاد الحقيقة. إن ما أفعله كي أخدم هو توضيح أنه لا يوجد إسلام واحد هناك إسلام أندونيسي وإسلام لبناني وإسلام أمريكي وإسلام سوري وآخر خليجي.لا يوجد أبيض أو أسود هناك رمادي.

■ ولماذا أخذت على عاتقك تقديم هذه القضايا؟

■■ لقد انطلقت من نفسي فقد نشأت في عائلة لديها دائماً فكرة العودة، وهاجس سؤال لماذا جئنا، أنا أقدم في أفلامي نفسي وعائلتي  ليس بشكل مباشر لكن كل ما أقدمه هو من خصوصيتي التي أعتقد أنها عامة، كما أنني شعرت بأن هذا الحقل لم يتم استثماره كثيراً في السينما العربية أو الفرنسية.

■ لكن هناك تجارب مغاربية كثيرة تحدثت عن المرأة وعن مشاكل المرأة؟

■■ لكنني أولاً لا أنظر إليها بنفس الشكل.  كما أن المرأة التي أتناولها ليست فقط في العالم العربي، ولم أتناولها بالشكل التقليديدي الذي قدمت فيه في السينما العربية، لقد تحدثت  عن المرأة في أفلام وثائقية وأنا لا  أعرف أحداً تناول موضوع المرأة العربية في وثائقه طوله ثلاث ساعات.

■ هل ترين الموضوعات التي تعملين عليها من وجهة نظرك كفرنسية أم كعربية؟

■■ أعتبر أنه توجد لدي قدرة كبيرة على التحول فأصولي تعود إلى المغرب العربي ولا ينقصني الهاجس القومي العربي، فأبي كان من المناضلين وبالرغم من أن القضية الجزائرية التحررية قد انتهت إلاّ أن عائلتي لم تتخلص من هذا الشعور إلى الآن، هذا الدافع هو أحد المحركات في داخلها التي تدفعها للعمل وتقديم القضايا، كما أن تربيتي الفرنسية التي تزامنت مع هذا الموروث القومي العربي والإسلام إن استطعت القول، ساعدت على إيجاد زاوية أخرى يمكنها أن أرى من خلالها القضايا المطروحة أمامي، أنا لست حتماً جزائرية كالجزائريات المقيمات هناك، ولست فرنسية صافية أبداً، وأنا في نفس الوقت مسلمة ولكنني لست مسلمة كالكثير من المسلمات حول العالم، لدي خصوصيتي التي أنطلق منها في معالجتي الفنية، فأنا لا أرى الأمور فقط كجزائرية أو فرنسية بل أنا أستطيع أن أرى الأمور من عدة زوايا مختلفة.حتى إنني لا أتوقف عند تكويني بل أسعى إلى البحث الدائم كي أوسع زاوية رؤيتي. فعندما أعمل على تقديم أفلامي أذهب لألتقي بأكبر عدد من الناس ومن الثقافات التي من الممكن أن تتمازج في رؤيتي الفنية والثقافية، فذهبت في أحد أفلامي لرؤية أناس من اليمن وأريتريا، أو الهند وغيرها من الدول هناك دائماً عملية بحث في الموضوعات التي سأقدمها لتتسع زاوية رؤيتي ونقاشي للموضوع.

■ تسرب بعض العناصر التوثيقية إلى فيلمك الروائي الأول هل كان بقصدية منك أم أن هذه العناصر قد دخلت نتيجة لتراكم خبرتك في الأفلام التوثيقية؟

■■ قد تفاجأ عندما أخبرك بأن كل ما رأيته في فيلمي الذي قدم في دمشق صور داخل استوديو وليس في مواقع حقيقية والهدف من كل ذلك أنني أريد أن أعيد تصوير الواقع كما هو في مخيلتي تماماً، أو بالأصح كما عادت مخيلتي إلى جمعه تماماً ولملمته من الواقع، بكل تفصيلاته جزئياته المختلفة، فكل التفاصيل التي رأيتها في الفيلم موجودة في الواقع لكن في أماكن مختلفة أعيد جمعها وترتيبها لكي أعطي صورة حسب اعتقادي أصدق، ربما كان تأثري بالسينما الوثائقية من هذا الجانب صحيحاً فالسينما الوثائقية تهتم بهذه التفاصيل في الواقع وتصورها أما أنا فقد قمت بجمع هذه التفاصيل لأعيد خلقها بعين الكاميرا لاحقا أما إذا كنت تتحدث عن حركة الكاميرا فإنها تندرج ضمن نفس الرؤية لإعادة تشكيل الواقع، فالعين التي تراقب هي هكذا تهتز وتراقب كيف ترى العين. قمت بالتصوير ما هو الذي يشدها كيف تتحرك، و لم أعتمد في كثير من الأحيان على الإمكانيات والتقنيات التي تتيحها الكاميرا.

■ توجد في الكثير من التجارب السينمائية بعض من التقنيات التي ذكرت وقد عمل فيها بعض المخرجين إلاّ أنها لم توجد مجموعة في أسلوبية عمل موحدة كما حدث في فيلمك، فهل ترين أنها أسلوبية جديدة ابتكرتها؟

■■ سبق في حديث إلى صحفي وناقد سينمائي فرنسي أن أخبروني بهذا الكلام إلاّ أنني لا أستطيع أنا أقيم هذا الشيء هناك نقاد قيمون على هذا التفصيلات والأمور أنا اقدم رؤيتي وهم يوجدون تقييماتهم النقدية.

 

■ حوار:  ع.س