نحو أمن موسيقي للسميعة العرب!

في الوقت الذي يجد فيه المحللون الاستراتيجيون سبباً للربط بين اهتزاز ساقي المغنية «شاكيرا» وانهيار برجي مركز التجارة العالمي، ينتظر الشارع السوري أغنية جديدة، يتراقص عليها شباب الجيل الصاعد، ريثما ينتهي المحللون إياهم من الكشف عما تبقى من أثار برجي التجارة، كما ينتهون من الكشف عما تبقى من الثياب التي تستر ساقي الجميلة الشقراء، ذات الأصول العربية، والنشأة اللاتينية.

الأغنية المنتظرة قد تأتي من أية جهة، من الشرق أو الغرب، من فوق أو من تحت، تبعاً لمزاج شركات الإنتاج العربية التي تدخل الشاب أو الشابة في ماكينات المال والألكترون، لتخرجه أو تُخّرّجه، مطرباً طازجاً  بيافطة طازجة، غالباً ما يكون عنوانها الرئيسي «الأغنية الشبابية» ليتفرع عن ذاك العنوان عناوين كثيرة، من نوع، المطرب الصاعد، وساحر القلوب، وفنان الشعب، وعاشق «الملوخية».

وشركات الإنتاج إياها، تدعم صعود العاشق بعد أن تبدل ما تبقى له من حبال صوتية، بحبال صوتية جديدة تعمل على الأزرار والتكنولوجيا، في عالم تأخذه التكنولوجيا بعيداً، بينما تلتف الحبال القديمة على أعناق اناس العالم السفلي، في الحفلات والسهرات الخاصة، التي يحييها في فنادق ومطاعم الدرجة الأولى.

فيتحول فجأة، وبين ليلة وضحاها، شاب يدعى «صبحي» يهوى الغناء في حمامات أسواق دمشق، إلى المطرب «سوسو» ذي القدرات الصوتية الخارقة، التي تحطم سوق الأغنية، وتتجاوز عمالقة الغناء العربي، وتحل مشكلة «الأمن الموسيقي» في العالم العربي الآمن، وكذلك تتحول الفتاة «خديجة» إلى الفنانة «طروب» بنفس السرعة، إن لم نقل بسرعة أكبر، لما تمتلكه طروب من مقومات تيسر لها العبور بسلام  إلى عالم الفن والضجيج.

وكم من أغنية استوعبها الشباب السوري وترنح على أنغامها، على يدي أو (فمي) سوسو وطروب، اللذين لم ينسيا تصدير إبداعاتهما الموسيقية إلى قنوات البث الفضائية، مذيلة بالـ«فيديو كليب» بحيث صارت حلقات الـ (TOP TEN) التلفزيونية، هي المؤشر الرئيسي على صعود الأغنية وهبوطها في (بورصة الأغاني) كما باتت تسميها المحطات.

وكثيراً ما استفاد منفذو الفيديو كليب من عالمات الذرة والمهندسات الروسيات والمولدافيات والأوكرانيات، اللواتي نسين الكتل الجزيئية، وتفاعلات الانشطار النووي، ليصطففن بالمئات، على عتبات الفيديو كليب في محاولة جاهدة  للرقص ضمن الكادر بدلاً من الرقص في منتجعات الشرق الأوسط، حيث الـ«غورباتشوف» يرتدي زياً عربياً، ويتكلم بعربية طليقة، وجل كلامه بحث في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي وسبل تحقيق السلام في المنطقة، وسبل اقتلاع الحجر الأخير من جدار برلين، ولهذا أيضاً ما يناسبه من الأغاني الوطنية الشبابية التي ينقلب فيها شكل «سوسو» بعد أن يرتدي السلك الفلسطيني.

■ عودة إلى التراااث:

النقاد الموسيقيون ـ على قلتهم ـ يثيرون جدلاً واسعاً في الصحف اليومية، حول إمكانية وجود لجان موسيقية على غرار بعض اللجان في بلدان العالم الأول، ترصد الأصوات الشابة وتمكنها من الدخول إلى ساحة الغناء، مع شهادة إيزو وكفالة طويلة الأمد، تضمن حماية مستهلكي الأغنية من أخطار التلوث الأبيض الذي يعم «سرفيسات» ومطاعم ونوادي المدن السورية، ويثيرون نقاشات أوسع عن مدى مسؤولية شركات الإنتاج في هبوط الذوق العام بينما يربط بعضهم هبوط هذا الذوق بهبوط العملة المحلية، في تحليل طبقي موسيقي قل مثيله، وبذلك يضربون عصفورين بحجر واحد، عصفور الأغنية وعصفور الاقتصاد، في الوقت الذي قلت فيه أغنيات المطربين عن الاقتصاد وقل فيه حديث الاقتصاديين عن الأغنية...

ويفاجئنا بعض دعاة الفن ومنهم من يحمل شهادة ـ الدكتوراة ـ  بنصائح تدعو «السميعة» إلى العودة إلى عصر الكراجات، والعنوان الجديد هو «العودة إلى التراث» مستشهدين بآخر الأغنيات الحاصودية التي أعلنت نفسها، في شوارع العاصمة السورية، وتصدرت العناوين الرئيسية للصفحات الثقافية، حيث أبدى صاحب الأغنية ذاتها في الصحافة ذاتها، استغرابه الشديد للانتشار السريع لأغنيته، مؤكداً أنها لبت حاجة مطلبية لدى الشباب السوري، والحاجة التي يعنيها زير العتابا وملك الحواصيد، حاجتنا إلى الدبكة، وإلى فرقة قوامها مطرب وعازف أورغ، وهذا ما يثير التساؤل على التساؤل: فهل من حق أحد أن لا يسمع دون أن تصلم أذناه؟

قد لايستطيع أحدنا ذلك، خاصة وأن «عائشة» وهي المذيعة الصاعدة من محطة صوت الشباب، وعدت أن تذيع الأغنية على المستمعين مرتين يومياً، ليتسنى لكل هواة الطرب والأغنية الأصيلة، ألإنصات لها ـ أي الأغنية ـ والاستمتاع بها، والنهل من مخزونها الفلكلوري، أما من لا يريد أن يستمع فلديه خياران اثنان:

أن يهتدي بالله ويعود إلى رشده أي إلى التراث، أو أن يقلب في جهاز التحكم عله يجد شاكيرا...

 

■ كمي الملحم