رحيل شاعر الحرية والرفض فؤاد قاعود ..

ودعت مصر– من جامع عمر مكرم – في 18 يناير واحدا من أكبر شعرائها، هو الراحل فؤاد قاعود الذي ولد عام 1936، وأثرى شعر العامية المصرية مع  الجيل اللاحق على بيرم التونسي (1893 – 1961) الذي كان في مقدمته فؤاد حداد، ثم صلاح جاهين، وسيد حجاب، والأبنودي، وأحمد نجم، وغيرهم. وقد نشأ فؤاد قاعود عاملاً بورش الإسكندرية ومصانعها الصغيرة ومطابعها، وبرز بين زجالي الإسكندرية عام 1952 وهو شاب في السادسة عشرة من عمره.

انتقل قاعود للقاهرة لقضاء فترة التجنيد، وتعرف إلي صلاح جاهين، فقدمه إلي قراء مجلة صباح الخير عام 1960، وأخذت قصائده تظهر فيها  لتلفت الأنظار إلى شاعر قوي، له أسلوبه الخاص، ورؤيته التي لم تفارق هموم الناس.

وعين فؤاد قاعود محررا في مجلة صباح الخير عام 1963، لكنه فضل العزلة، وآمن بأن الشعر هو ما تتم كتابته بعيداً عن الضوضاء والأضواء. كانت القصيدة عند فؤاد قاعود تنهل من تراث العامية السابق عند بيرم التونسي، وفؤاد حداد، وتستشرف آفاق الشعر الحديث، في وحدة حارة، ومشتعلة برفض الواقع القبيح بكل مظاهره، والطموح لعالم آخر أجمل.  نشرت أعمال قاعود الكاملة لأول مرة فقط منذ نحو أربع سنوات، أي في عام 2002.  له عدة دواوين معروفة مثل:

1ـ الاعتراض – دار العالم الجديد - 1977

2ـ -  المواويل – كراسات الفكر المعاصر 1978

3ـ  الخروج من الظل. مكتبة مدبولي 1997

4ـ  الصدمة – مدبولي 1977

5ـ ضمبر المتكلم – الأحمدي للنشر 2002

وكان الشاعر الراحل أحد الذين ساهموا في خلق تجربة الشيخ إمام عيسى، ومن أهم الأغنيات التي كتبها له " أحزان قرد ". 

قدم الناقد الكبير فاروق عبد القادر ديوان " المواويل " لقاعود قائلا :

الحقيقة التي يجب قولها هنا، ودون تردد، هي أن الشاعر لم يفقد الأمل أبدا في أن تشرق يوما الشمس التي توزع الدفء والضوء على الجميع، وهذا ما يرجح عندي القول بأن هذا القهر ليس كونيا، لكنه قهر موضوعي مرتبط بعوامل محددة في الواقع الاقتصادي – السياسي – الاجتماعي، قهر لا يتعالى على قدرة الإنسان على الفعل والتغيير .. إن ملامح العالم الشعري لفؤاد قاعود تتحدد أكثر فأكثر على ضوء هذه البلورات الصغيرة، هذه الفرائد، حين انتظمها خيط واحد هو الذي ينتظم إبداع الشاعر على العموم : القهر، والرفض، والتماس سبل الخلاص .. أشعار قاعود إذن هي ثمرة ناضجة من شعر العامية المصرية، لشاعر آثر أن يعتزل ضجيج السوق، فوقف بعيدا، لا يحول  شيء بينه وبين أن يقول كلمته، مؤمنا بأن لا شيء يأتي ويذهب دون أثر. 

ومن أجمل مواويل فؤاد قاعود :

داريت بكوخي رضوخي للسنين البور

وخلقت ويا المكان لغوة لسان وشعـور

وجعلت بالفكر مرتع بكر في المنظور

وصنعت والبدر غافي كل أطيافي

ولا كانش رغم انصرافي سمتكم خافي

أرسل شريط الرؤى في وحده موصوله

وتو ما اتفك مني يد مغلوله

أقطع بمقطع بيسطع من حروفه النور

●●●

جسدت قرع الطبول من همسة الأسياد

ونفذت للودن عنوة واقتحام وعناد

وانت برغم اللجاجة خلقة الحداد

يسير خلالك جميع ما يصدره مولاك

لا الكهربا تتكسف ولا تستحي الأسلاك

تجئر وتنهر وتجويفك فراغ وهباء

ولما زادت بفضلك قوة الضوضاء

تم اعتمادك لأعصاب البشر جلاد !

●●●

رحل في صمت الشاعر الذي قال : " والحر لأجل الحقيقة يركب الأهوال " !

 

■ أحمد الخميسي