خوسيه مارتي . . . . شاعر كوبا ورسول استقلالها «كونوا مثقفين لكي تكونوا أحرارا»

جمع خوسيه مارتي في شخصه صفات: الثائر والسياسي الخطيب  والواعظ، رجل الدولة والديبلوماسي، الصحفي والشاعر، الأديب والمسرحي والروائي.

عاش حياة قصيرة، إلا أنها امتلأت بالأحداث وزخرت بالأعمال وترك من خلالها تراثاً عظيماً من الإنتاج الأدبي والسياسي الواسع والعميق تم جمعه في 26 مجلداً.

أكد خلال مسيرته بأن لاشيء إنساني كان بعيداً عنه،  وان الوطن الذي أراده ودافع عنه إنما هو الإنسانية جمعاء.

اشتبكت حياته منذ يفاعته ـ وهو الابن لجندي إسباني مع أقدار أرضه الغالية حيث ولد ومن أجل استقلالها استشهد ففي عام 1870 حكم عليه من  مجلس الحرب بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة ست سنوات، أرسل بعدها إلى المنفى ـ فأمضى جل حياته فيه ـ وكانت البداية في إسبانيا في الفترة بين 1871 ـ 1874 فدرس في مدريد ثم في سرقسطة وحصل من جامعتها على إجازة في الحقوق المدنية والقانون ثم دكتوراة في الفلسفة والآداب عام 1874. وهناك أصدر بواكير أعماله: «السجين السياسي في كوبا» و «الجمهورية الإسبانية في مواجهة الثورة الكوبية». وعاش منذ العام 1874 متنقلاً بين لندن والمكسيك وغواتيمالا امتهن خلالها العمل الصحفي والتأليف المسرحي والتدريس الجامعي. عاد إلى كوبا في عام 1878 لفترة قصيرة وحكم من جديد بالنفي فتنقل فترة اخرى بين باريس وفنزويلا ثم استقر في نيويورك اعتباراً من عام 1880 وهناك كتب أعماله الأدبية الهامة والأساسية، ومنذ ذلك الوقت خطط ونظم لحرب استقلال كوبا . . . لكنه سقط شهيداً.

وكان من نيويورك قد ساهم ـ كمشاهد ـ بالمنهج المشهدي والفوضوي للتطور الرأسمالي في الولايات المتحدة وحلل هذه السياسة بفطنة ونباهة من خلال رصده لبدايات رغبة الهيمنة والتسلط والسيطرة في هذا البلد مع تحوله إلى قوة توسعية عالمية على أعتاب القرن العشرين، مما ترك أثراً دائماً في فكر مارتي، وعبر عنه من خلال كلماته الأخيرة قبيل موته بساعات في عام 1895 في رسالة إلى صديقه المكسيكي مانويل ميركادو شارحا ًفيها الهدف الأساسي لنضاله: «لدي رغبة عارمة في أن أمنح حياتي فداء لوطني وواجبي كي تحصل كوبا على استقلالها في الوقت المناسب وقبل أن تبسط الولايات المتحدة سيطرتها على أرضنا الأمريكية وكل مافعلته حتى الآن إن هو إلا من أجل ذلك».

كما سمحت له اقامته في أرض أجداده باكتشاف إسبانيا مرتين الأولى إسبانيا الاستبدادية والأخرى ليبرالية وكلتاهما أججت فيه النضال والدفاع عن الأحرار:

من أجل أراغون في إسبانيا

عندي لها في قلبي

مكان لكل أراغون

صادقاً شرساً وأميناً وغير حاقد

هناك في الغوطة المزهرة

حيث البطولة الخارقة

يدافع الناس عن الحياة

ويموت فلاح متدثراً بندقيته

أحب الفناءات الظليلة

بأدراجها المزينة

أحب الباحات الساكنة

أعشق الأرض المزهرة

إسبانية كانت أم مسلمة

سرعان ماانتشرت كلمات خوسيه مارتي في كوبا وأمريكا اللاتينية والعالم فاستخدمت في الموسيقى التراثية والشعبية لموسيقيين مشهورين:

أريد الخروج  من العالم

من الباب الاعتيادي

بعربة من الأوراق الخضراء

للموت يحملوني

لاتضعوني في العتمة

لا للموت كخائن

أنا طيب كالطيبين

سأموت ووجهي للشمس

أحب عندما أموت

بدون وطن وبلا سيد

أن يكون على شاهدة قبري

باقة زهر وراية

تقدم خوسيه مارتي وفي مظاهر كثيرة من فكره على معاصريه ووجد طرقاً جديدة للأدب الكوبي الحديث، مالبثت أن أصبحت قاعدة عامة للتيارات الأدبية المستحدثة:

أحلم بأروقة رخامية

حيث السكون الإلهي

والأبطال الواقفون يستريحون ليلاً

على ضوء الروح

أكلمهم ليلاً

فيتراصون في صفوف

أياديهم من حجارة

أقبلها فتفتح الشفاه الحجرية

وتتحرك اللحى الحجرية

لتمتشق سيفاً حجرياً

وفي المنافي شغلته كوبا فغناها شوقاً وحنيناً في خطبه كما في شعره، ورصعها بأكاليل زهر وكتبها في «أزهار المنفى»

وطنان عندي

كوبا والليل

أليس الاثنان واحداً؟

أمن الخير أن تنسحب جلالة الشمس

بخمر طويلة وقرنفلة باليد؟

صامتة كوبا كأرملة

وصدري فارغ ومحطم

في المكان الذي كان فيه القلب

وقد تعرف  معاصروه عليه من خلال الكثير من خطبه الوطنية ومن آلاف المقالات الصحفية المنشورة طوال سنين في كاراكاس والمكسيك وبوينس آيريس.

وكانت خطبه الأداة الرئيسية في عمله السياسي، فقد وهب فصاحة وبلاغة، وبرزت خطبه باللغة الإسبانية في أوروبا وأمريكا، ودرس بعناية فائقة وسائل التعبير وتقنية الوعظ، مما أتاح له ثقافة كونية شاملة ورسالة بيانية نقلت بحماسة بالغة إخلاصه من أجل استقلال كوبا.

ومن أهم خطبه، تلك التي ألقاها في جمع من عمال التبغ الكوبيين في فلوريدا:

«أيها الكوبيون:

الكل مدعو هذا المساء للصمت المبجل أكثر من الكلمات.

الأجداث عندها مصطلح أزهار النهضة التي تولد من الأضرحة فلا الدموع العابرة ولا أناشيد الصنعة هي ضريبة خاصة بالذين يشيرون بنور موتهم على الشفقة الإنسانية النعسة وإمبراطورية الرجس والجشع»

«. . . خارج هذه الأبواب المليئة تأتي موجة من شعب يتحرك. هكذا الشمس من بعد الظلمة والليل، ترتفع في الأفق الصافي مثل كأس من ذهب . . ».

«شقائق النعمان أكثر احمراراً من الهواء وأكثر خفة . تنبت فوق القبور المهملة.

الشجرة التي تعطي أفضل الثمار هي التي يوجد تحتها ميت أو شهيد . . .».

«. . . فجأة تسقط الشمس فوق الغابة. وهناك ينبثق لمعان وبريق الضوء المفاجئ

فوق أعشاب تصفر

تنتصب في المخرطة على الجذوع السوداء

عناقيد الصنوبر الجديد

هؤلاء نحن . . . الصنوبر الجديد».  

■ أعد المقالات الثقافية:

 

 الحسين نعناع