كسر الصور النمطية في أدب الرسالة
اعتاد الناس إطلاق الأحكام المطلقة على الشخصيات التي لعبت دوراً في التاريخ، يقومون بتعليب هذه الشخصيات في صور نمطية ظالمة، لا تعكس جوانب تلك الشخصيات كلها. من خلال الرسائل التي تبادلوها مع ذويهم ومن أدب الرسالة التي كتبها كل واحد منهم نكتشف، أي مدى كانوا مخطئين بحق هؤلاء.
اتخذت موقفي يا سيدتي
في تلك المحطات التاريخية المفصلية حيث يشتد الصراع تنكسر الحالات الأبوية المقدسة، وتصبح العلاقات الاجتماعية نفسها انعكاساً لحالة الصراع القائم. جاء في رسالة كتبها جان جاك روسو أحد ملهمي الثورة الفرنسية إلى مدام ديبينيه:
«لو قدر للمرء أن يموت حزناً، لما كنت أنا الآن على قيد الحياة. ولكني عقدت عزمي أخيراً».
لقد انفصمت عرى الصداقة بيننا يا سيدتي، ولكن لهذه التي لم يعد لها بقاء حقوقاً أعرف كيف أحترمها.
فإني لم أنس قط أفضالك عليَّ، وبوسعك أن تطمئني من ناحيتي إلى كل عرفان يستطيع أن يدين به امرؤ إلى شخص لم يعد ملزماً بأن يحبه، وأي تفسير آخر لن يكون مجدياً، وإني لأركن إلى ضميري، ولك أن ترجعي إلى ضميرك.
سنضحك جميعاً تحت الشمس
تقول الرسالة الأخيرة التي كتبها الشاعر التركي ناظم حكمت إلى أخته ويتحدث فيها عن محاولاته الدائمة لبث الأمل بروح زملائه المساجين بتاريخ 5 آب 1950:
«تفاؤلي هذا الكنز الفريد الذي لا ينضب، يغلي ويطوف، قريباً نصبح أحراراً، أقول لنفسي، وأعاند وفي هذه اللحظة. يبدو لي العالم حاشداً بالناس الطيبين. سنلتقي يا أصدقائي. سنضحك جميعا تحت الشمس».
كارل ماركس العاشق
هذه مقتطفات من رسالة بعثها ماركس بتاريخ 21 حزيران 1856 إلى زوجته جيني التي كانت قد تركته مع بناتها الثلاث في زيارة لأهلها بألمانيا. وكان ماركس مع أسرته يعيش في انكلترا مهاجراً وفي ظروف قاسية وصعبة جداً:
« ها أنذا أكتب إليك ثانية لأنني وحيد ولأنه يخجلني أن أحاورك دائماً في الخيال، دون أن تعرفي أو تسمعي شيئاً مما أحاورك به، ولا تستطيعين الرد عليّ.
إنني أراك أمامي، أحملك فوق يدي وأقبلك من الرأس حتى القدمين، وأركع أمامك، وأتنهد. إنني في الحقيقة أحبك أكثر من حب مغربي البندقية «يقصد عطيل»، الشخص الخبيث والفاسد يعتبر كل الصفات خبيثة وفاسدة، من مِن مشوهي سمعتي وأعدائي ذوي لسان الثعابين قد اتهمني مرة بأني مؤهل لأن أؤدي دور العاشق الاول في مسرح من الدرجة الثانية؟ ولكن هذا هو الواقع، ولو كان عند الأوغاد ذرة من النكتة لرسموا «علاقات الإنتاج والتبادل» في جانب، وفي الجانب الآخر رسموني وأنا عند قدميك، وكتبوا في قصاصة: انظروا إلى هذه الصورة، ثم إلى الصورة الأخرى، غير أنهم أوغاد أغبياء، وسيظلون أغبياء أبد الآبدين.
في الواقع يوجد عدد كبير من بنات الهوى في الدنيا والبعض منهن جميلات، ولكن أين ألقى وجهاً حيث كل قسمة، وكل طية فيه تبعث فيَّ أحلى وأروع ذكريات حياتي؟ حتى أوجاعي التي لاحد لها وخسارتي التي لا تعوض أقرأها في محياك الحلو وأبعد الألم عني بالقبل، عندما أقبل وجهك الحلو».