الحب.. تدمير عاطفة
»الحب، تدمير عاطفة» كتاب مترجم عن اللغة الألمانية. وهو واحد من سلسلة طويلة من الكتب جعلت من عاطفة الحب موضوعاً لها. اللافت للانتباه هو أن الفلاسفة والمفكرين الذين كانوا «يأنفون» الحديث عن الحب بنوع من «التعالي»، بل كانوا «يهزؤون» منه، يهتمون اليوم فيه وكأنه نوع من «الاكتشاف» الجديد. ومن بين هؤلاء المفكّر الألماني ريشار دافيد برشت، مؤلف هذا الكتاب.
ينطلق المؤلف في تحليلاته عن «الحب» كعاطفة يتم تدميرها من القول بأنه «اكتشف» هذه القضية التي تحرّك مشاعرنا جميعاً والتي كانت باستمرار «تقريباً» خارج اهتمام الفلاسفة والمفكرين. وهو يحاول إعادة طرح قضية «الحب» من خلال ميادين عدة يتباين منظور كل منها إلى عاطفة الحب عن الميادين الأخرى إلى هذه الدرجة أو تلك. هكذا يتداخل في تحليلات الكتاب علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الأحياء «البيولوجيا» والعلوم النفسية- العصبية. كذلك يصادف القارئ فلاسفة ومفكرين ليس أقلّهم شأنا جان بول سارتر.
ويشرح المؤلف كيف أن الفلاسفة كانوا يبتعدون دائماً عن الخوض في موضوع «الحب»؛ كي يتركوه للحالمين والرومانسيين من شعراء وروائيين وفنانين ومتصوفين من كل نوع.
هكذا يستعرض المؤلف العديد من آراء الفلاسفة قديماً وحديثاً حول الحب. ومن الآراء التي يستعرضها تأكيد الفيلسوف الإغريقي «أبيقور» أنه على الفيلسوف، كي يحافظ على حريته، الابتعاد عن الوقوع في شرك عاطفة الحب.
أما في العصر الحديث فيحدد المؤلف القول بأنه ليس من النادر الربط بين عاطفة الحب وبين واقع الضعف الإنساني، بل واعتبار أن الحب مؤشر على هذا الضعف الإنساني. هذا ما تتم ترجمته في المجتمعات الغربية ذات الطابع الاستهلاكي بالميل نحو ممارسة الحرية في العلاقات الجسدية لكن «بعيداً عن الحب»، وغالباً باسم «الاستقلالية الفردية»، الأمر الذي يمثل شكلاً من أشكال «تدمير الحب»..
وما يؤكده ريشار دافيد برشت هو أن «الحب ليس مجرّد خليط، كوكتيل- من الهرمونات». ويؤكد أنه من الصعب تقديم أي تعريف محدد له فـإذا لم يكن «مجرّد هرمونات ودورة عصبية فما هو هذا الذي نسميه حبّا والذي يتجاوز حدود المتعة وحدود الانفعال وحدود التعلّق بالآخر؟» كما يتساءل.
وفي جميع الحالات يعارض المؤلف في: «الحب، تدمير عاطفة» جميع النظريات الشائعة المطروحة لتفسير هذه «العلاقة السحرية الغامضة». إنه يعارض رجال العلم الذين يقدمون تفسيراً «كيميائياً» للحب ويعيدونه أولا وأساساً إلى «مورثاتنا» التي تميل إلى «إعادة إنتاج نفسها». أما الباحثون في مجال العلوم الاجتماعية فإنهم يعطون الأولوية للعوامل «النفسية والاجتماعية» وبمعزل عن الغرائز.