من التراث الثورة في الإسلام.. لماذا انتهت؟؟ ج1
«كل الثورات، يقوم بها الأبطال، ولكن لا يستفيد منها سوى الأوباش» هذه العبارة تنسب لقائد ثورة فيتنام (هوشي منه) وبقدر ما بها من الدعابة فهي تحمل جانبا لا يستهان به من الحقيقة التي أثبتتها التجارب الثورية في مختلف الأزمان والأمكنة، بحيث أنه بدا فعلاً حال الثورات هكذا.
وقد سمحت لقلمي أن يقارن بين هذه المقولة ومدى صحتها، مع «ثورة الإسلام» على اعتبار أن الإسلام بدأ كثورة وانتهى كسلطة ونظام دولة.
ولا أشعر بالحرج في اعتبار الإسلام «ثورة» وأعتقد أن ذلك لا يعني بالضرورة عدم سماوية هذا الدين وقدسيته، وإنما روح التغيير والاندفاع نحو توحيد الناس والسمو بهم هو ما يسمح بتسمية الإسلام «بالثورة» ومع الرغبة الكبيرة لدى النبي محمد (ص) بتحسين ظروف العبيد والفقراء والوقوف في وجه الارستقراطية القرشية .لقد كان الفارق بين فقراء قريش وتجارها فارقاً كبيراً، بسبب ازدهار التجارة في مكة، فمكة لا تصلح للصناعة أو الزراعة (واد غير ذي زرع) «ابراهيم 37» فكانت التجارة هي مجال العمل الوحيد. ومما ساعد على ازدهارها عدة عوامل أهمها: موقع مكة الجغرافي المتميز بعد أن تأثرت التجارة سلباً في اليمن بسبب الأوضاع السياسية المضطربة نتيجة تنافس (الفرس والأحباش) هناك، وأيضاً عدم القدرة على المتاجرة عن طريق البحر الأحمر لوجود الأخطار الأمنية والأخطار الطبيعية وصعوبة التنقل به.
وكذلك وجود (كعبات كثيرة) كان يقصدها الحجيج من مختلف المناطق (كعبة مكة ـ بيت العزي ـ بيت مناة وغيرها الكثير) وايضاًالأسواق التجارية وما يتخللها من سباق للخيل ومناظرات للشعراء (سوق عكاظ ـ سوق المجنة ذي المجاز ـ منى). كل هذه العوامل ساعدت على ازدهار التجارة بشكل كبير، وكانت كل قريش توظف أموالها في أعمال التجارة (رحلة الشتاء لليمن ـ ورحلة الصيف للشام).
ولحماية تلك القوافل استخدمت قريش أفضل الخفراء الأقوياء وغالبيتهم من الأحباش والأفارقة ،حتى بدأ عدد هؤلاء بالازدياد ليشكلوا فيما بعد مجتمعاً له سماته وخصوصيته مع زيادة الأموال وإشباع السوق التجاري منها كان لابد لتجار مكة من العمل (بالرّبا) حتى صار مصدراً جديداً للربح، ويلاحظ حملات القرآن الكريم على المرابين، والويل لمن يقع تحت وطأة الد■ين فقد يضطر لاستعباد ذاته أو أحد أبنائه وإذا أراد الهروب من العبودية ،خرج للصحراء ليلحق بالمتشردين وقطاع الطرق.
لقد تفشى الظلم في مجتمع مكة فكان لا بد من ظهور (المخلّص) ليرفع الظلم ويوحّد القبائل، بعد أصبحت مكة قوةً تجاريةً هامّة، تحتاج لشكل سياسي موحَّد وبناء دولة.
وبرغم محاولات (زهير الكلبي وعبد الله بن أبيّ ومحاولات الغساسنة والمناذرة) في توحيد العرب الذين يقول عنهم الأسود بن العزي: (إلّا أن مكة لقاح لا تدين لملك) كان توحيدهم في تلك الفترة حاجةً ملحّة. وكما ذكرت سابقاً لا يمكن قيادة العرب من خلال قبيلة دون القبائل أو عشيرة دون العشائر، بل يجب أن يكون المخلص والقائد هذه المرة من (السماء).
■ هشام الباكير
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.