فضائيات.. الأطفال في «الفيديو كليب» مادة «استعمالية» للربح فقط

عالم الطفولة من أجمل وأسمى العوالم الإنسانية، والاهتمام بهذا العالم ورعايته مهمة صعبة وممتعة بآن معا، فرعاية الأطفال والانشغال بعالمهم ضمان للمستقبل. فهل يساهم إعلامنا «الذكي» برعاية الطفولة؟؟، أم أن التشوهات الفكرية والثقافية للفضائيات العربية الاستثمارية باتت تسقط في أتونها عالم الطفولة البريء؟؟؟؟

إن أغاني «الفيديو كليب» التي تسيطر على فضائياتنا، باتت بانشغال محموم وغير مسبوق تتعمد استخدام الأطفال في الفيديو كليب الذي يسيطر على ساعات البث الفضائي، لأن القائمين على إنتاجه والمسرعين بخطى واسعة للحاق بالركب الإنتاجي والمفهوم الربحي النفعي، وجدوا وبكل بساطة أن ذلك مربح..

أما القيم الفنية التي يجب أن تتصدر قائمة أولويات الإنتاج الفني للغناء، فقد فقدت مصداقيتها بالمطلق، وعزفت عن ابتكار أي منظور فني يهتم بالكلمة و اللحن و الصوت، الثالوث الأساسي لإبداع أي منتج فني غنائي حقيقي.

ومع بروز مئات المحطات الفضائية على الشاشة الفضية المتخصصة بعرض أجناس وموضوعات غنائية غريبة بتركيبتها عن واقع موروثنا الغنائي الموسيقي العربي الأصيل، سقطت على رؤوسنا مئات، بل آلاف الأغاني والمغنيات والمغنين من نسق فني واحد، تتشابه مع بعضها بعضاً كتشابه الوجبات السريعة، المتماشية مع العصر المعولم. وابتكر لأجل هذه التركيبة اتجاه يسعى لأدلجة فنية ثقافية جديدة تهتم بضرورة «مواكبة العصر الحديث» والتماهي مع فنونه وجنونه، فاستثمرت لأجل هذا المنطق أساليب فنية تعتمد الفيديو كليب كمادة أساسية لإنجاح وإبراز أي مغني دون الاهتمام بأية قيمة فنية تبرر ظهوره، واعتمدت لهذا الطرح أساليب تعتمد على الكلمات الخفيفة الخالية من أي معنى وأي إحساس عاطفي يشكل مبرر لإنتاج أغنية أو ظهور مغنٍّ جديد، فحلت الكلمات العادية لتحاكي اليومي المبتذل وتجاريه، وتنقل تجارب عاطفية سطحية مرتكزها الأساسي الإيقاع السريع الراقص الذي لا هَمّ له سوى الترقيص وهز الخصر، عبر تجميع أكبر عدد من الفتيات اللواتي يحطن بالمغني العاشق الولهان بأجواء شهريارية حديثة متنقلة بين ماليزيا وأفريقيا، ليشكل المكان الغرائبي والفتيات المتمايلات العمود الأساسي للمادة المصورة.

 لقد أصبح عصر الصورة، مادة استثمارية تدفع لأجلها مئات الآلاف من الدولارات لأسماء وأغانٍّ تكرر بالمعاني والأداء واللحن والإيقاع لدرجة قتلت معها الإبداع وتجدد الأفكار، وأصبحت متاهات الفيديو كليب الذي يغزونا من البث الفضائي الذي لا نعرف مصادره الأساسية، موضوعاً أساسياً للإثارة والجنس الذي أصبح مسخرة العصر الحديث. وللاستفادة من طاقات الفنانات المثيرات عمدت شركات الإنتاج لابتكار موضوعات وصرعات فنية جديدة تعتمد الأطفال كمادة استعمالية نفعية خطيرة بدلاً عن العالم الشهرياري للمغنين الشباب، فتصدح في الأفق قائمة من النجمات المغنيات يؤدين أغاني بحضور الأطفال كمادة أساسية، وذلك لجذب عين الطفل الغارق باللحن السهل والمغنية الجذابة، والعلاقة الرخيصة بين الرجل والمرأة بديلاً عن صورة الأم والأب الغارقين بهموم الحياة اليومية ومشاكلها التي يعمد الفيديو كليب على اختزالها بصورة تلفزيونية تعتمد الفنانة الدلوعة التي تتمطى بين خدي الطفل والشوكولا السائحة ذوباناً وغراماًَ بحبيبها الغائب عن غرفة الجلوس الأنيقة الفارهة، فتصدر مناغشتها لطفلها الرضيع بإشارات غرامية تبدو أنها بريئة بتوجهها للطفل عبر كلمات وتعبيرات طفولية كالواوا والأح وغيرها من التعبيرات الذكية!!!

يحدث ذلك نظراً للغاية التي قد تحققها هذه المادة التلفزيونية من ربح وتأثير على الأطفال الذين يشكلون مادة سهلة التأثر والتأثير، ونزولاً عند نتائج الدراسات والاستفتاءات العملية التي تؤكد أن الأطفال يشكلون أكبر نسبة بالمتابعة التلفزيونية وبالأخص ـ الفيديو كليب ـ، والذين بدورهم يؤثرون على آبائهم بشراء الأقراص الليزرية للمغنية المحببة لديهم، مما يحقق مادة ربحية خام لشركات الإنتاج، مادتها الأساسية الطفل، وهذا أمر في غاية الخطورة خصوصاً وأن الفيديو كليب يتدفق كالنهر الجارف فيعمي أبصارنا، ويعمي معه مشاعر أطفالنا الذين يتأثرون ويؤثرون في المستقبل، فتتبدد ملامح القيم الفنية الحقيقية التي بذل الفنانون الحقيقيون جهداً هائلاً للارتقاء يها، عبر مخيلة شعرية سامية، وإبداع لحني وصوتي مميز كان هدفه وما يزال الارتقاء بالذائقة الفنية للمستمع، وتعميق العاطفة الحقيقية.

ينأى «الفيديو كليب المعولم » اليوم عن كل ما هو صادق، ويزج الطفل في المادة الفلمية له، فيغدو مفهوم الطفولة البريئة مادة استثمارية مجدية تحقق لشركات الإنتاج الفني غاياتها المزدوجة من الربح، تاركة أثراً نفسياً سلبياً عميقاً في الأجيال القادمة التي أصبحت عوالمها البريئة في مهب الريح، ومهب المستثمرين الجدد...

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 14:11