مصير النوع الإنساني

ما أجده طبيعياً أن الشعر سيصير أكثر حضوراً وأكثر نفوذاً (لكنني لست متأكداً من المستقبل القريب..)، الشعر رديف للحياة الإنسانية الغنية بكل المعاني ومثلما الفن لا ينتهي أو يبيد كذلك الشعر، هو في جذور وفي نسغ الفنون كلها أو هو مصدرها، اللوحة، على سبيل المثال، لا تكون لوحة دون الشعر فيها، والسينما كذلك.

ما يقال من أن الألم هو «ولاّدة» الشعر يمكن أن يكون صحيحاً، ولكن على أن نفهم «الألم» بالمعاني المتعلقة بـ«الفن»، الحروب والمجاعات والبؤس والتأخر ليست البيئة التي تصنع شعراً ولا فناً، الشعر والفن رديفان للحرية، أو لمحاولة الحرية، مواجهة البؤس، بالمعنى الأعم، هي التي تصنع الشعر، في عالمنا الحالي ما يصنع الشعر هو مواجهة التدهور الحالي للحياة الإنسانية، وهذا يفضي إلى بحث كيف يصير العالم أجمل وكيف يستطيع الفن والثقافة أن يهزما الحروب والتسلط والهيمنة، دائماً كان ثمة حلم إنساني قديم في أن يصبح العالم «شعرياً»، نستطيع أن نرى ملامح من ذلك أو «مقدمات» ولكن ليس عندنا... بعدُ.

في العالم ،بلديات المدن تفرض على وسائل النقل العام ،كالقطارات أو في مترو الأنفاق أو في الشوارع، أن تعلّق، ليقرأها الجميع، مقاطع شعرية، وثمة طقوس تنمو وتتوسع لدى شعوب عديدة في قراءة الشعر، في الساحات وفي الشوارع ، وأينما كان، وكذلك الحال في المسرح، الشعر ينفذ إلى قلب العالم وحياة الناس، ولكن ليس عندنا.. بعدُ.

مصير الكائن ـ الشاعر يلتحم، يمتزج، بمصير سلالته ولا أعني هنا سلالة الشعراء فحسب، ولكن أعني النوع الإنساني، مكانة الشاعر في الوعي الجمعي مكانة الجزء المضاء من الحياة، هذا الموقع تكوَّن تاريخياً، ويستمد النسغ من الوعي الإنسان لكل الشعوب، وربما لدى العرب مثل غيرهم، لا أقل، بل ربما أكثر.

المكانة «الهامشية» للشاعر في الحياة «العملية» أو اليومية لا تبدل من هذا شيئاً، «عُروة» كان «صعلوكاً» بكل المعاني ولكن لننظر إلى مكانة عروة في وعينا بعد كل هذه السنين..

من يستطيع، على سبيل المثال، أن يتذكر من كان الملك أو الامبراطور الألماني أثناء ما عاش «شيلر» الشاعر الألماني؟أو من يستطيع أن يذكر اسم الخليفة العربي عندما عاش «أبو تمام»؟ أو اسم الرئيس الأمريكي حين نشر «والت ويتمان» لأول مرة كتابه «أوراق العشب»... تقريباً لا أحد...

■ حازم العظمة