حشرجاته تمتد بين الأجيال
بعد العشرين لم أفكر في المستقبل. تحوّلت الحياة بنظري إلى حاضر دائم، قاس وكئيب مظلم غالباً مع فترات قصيرة جداً من التوهج.
مع أنني بعد قراءات لأخبار أو مقالات عن نهاية الحياة بعد ملايين السنين ينتابني شعور مريع بالعدم المطلق، يخيفني أضعاف عدمي الشخصي الذي يتحوّل بدوره إلى شكل من حل في المآزق المستعصية.
الشعر بنظري يشبه الإيمان أو الفلسفة، أحد مظاهر الوجود الأساسية وتتعلق بالنوع والفرد بنفس الدرجة والعمق والأهمية. أظن صوت الفرد الأكثر خصوصية هو الشعر، مع الطيف الواسع من الحلم والخوف والرغبة وما يشكل هذا الكيان الشخصي، أنا وأنت. على خلاف الأغاني والأساطير التي تنظر من الأعلى والبعيد جداً.
الجسد والنزوع نحو إشباع فوري للرغبات ، نازع قضايا الروح والتأمل طيلة القرن العشرين. ترافق ذلك وتزامن مع الحضور الطاغي للفردية، مع التجريب إلى حدود العبث، قضية اللغة في بعديها التواصلي الوجودي زاد من حدة القلق واللاجدوى، ليصار إلى القول الشائع: القلق الوجودي عصاب العصور الحديثة.
بين النرجسية ودعوات إنكار الذات يتأرجح الشعر منذ الأزل. تلك قراءة شخصية بالطبع ولها نصيب وافر من أسطرة الذات أو الجرح النرجسي بالمقلوب، بعد المرور بأخلاق التضحية، المقولة المتنازع عليها بين السياسة والفن والأخلاق.
مستقبل الشعر ـ عبارة لاحقة ـ على خلاف دلالتها المباشرة، وإن لم تكن للإبداع قوانينه الخاصة فهي تأتي من حركته تنتمي إليه وتنبثق منه، ليس في ذلك تقليل من أهمية الاجتهاد والبحث، الوجود متعدد، ولطالما حاولت كل العقائد السابقة اختزاله في بعد أحادي، تفرضه الرغبة والنقص البشري الطبيعي، لتأتي النتيجة عكس المأمول غالباً.
كيف يتحدّد الشعر؟ من اللغة، أم من العلاقة بين المنتج والمتلقي، أم من السياق الاجتماعي الثقافي، أم من خلال العصر المعني بكل أبعاد..؟!
أعرف أنني لا أعرف.
بين نزعتين، التلصّص والاستعراء وما يتخللها من أقنعة اللغة والرغبات وأشياء الواقع، تتمددّ حشرجة الشعر من جيل لآخر، وتحت الضجيج والازدحام والتنافر يستمر الهمس، ربما،
كيف وما الغاية والدواعي؟! تلك أسئلة المستقبل وليست أجوبتنا على ما أعتقد.
■ حسن عجيب