لا يزال بصحة وعافية
البحث عن مستقبل الشعر يؤكد في جانب أساسي منه ارتياباً بسلامته الآن، و اعترافاً مضمراً بأزمة تهدد وجوده، وتالياً مستقبله.
ففي الوقت الذي يتحدث فيه عدد كبير من محبي الشعر، وكارهيه، على حد سواء ،عن أن الشعر، العربي على الأقل، في أزمة، وعند متابعتهم في تشخيص تلك الأزمة نجد بأنها تعود إلى أسباب لا تخصّ الشعر كمنتج إبداعي إنساني، إنما تخصّ أدوات إيصاله التي تحدد قنوات تماسه مع المتلقين. وأما عن التدليل أحياناً على تلك الأزمة ببعض الشعر الرديء المنتج، فهذا لا يؤكد أزمة على الإطلاق، إذ أننا نصادف من أي منتج بشري أصنافا منها الجيّد ومنها الرديء، وهذا الأمر لا يهدّد وجود الصنف.
لا ذنب للشعر في عزوف القراء والمستمعين، وعزوفهم هذا يعود إلى أسباب (لا مجال لذكرها) تعود إلى منابع لا يحددها الشعر أو يخلقها بل هي أسباب غير شعرية بامتياز. إذ أن في الحالات التي يتم الاشتغال فيها على تسويق الشعر نفاجأ بأن الشعر مادة جمالية مطلوبة ويستحق الحصول عليها العناء. وكمثال على ذلك ما يحصل في (المشغل الثقافي لجمعية العاديات في مدينة جبلة) واللقاء مع (صقر عليشي ـ رشا عمران ـ لقمان ديركي... الخ) دليل واضح. وأوضح منه امتلاء قاعة المركز الثقافي في جبلة أثناء الأمسيات الشعرية التي قدّمت في إطار مهرجان جبلة الثقافي (الأول والثاني).
إن عملية التلقي، كأية عملية اجتماعية، هي تعبير عن علاقة مصابة بالعطب، شأنها شأن سائر العلاقات التي تتحدد في مجتمعاتنا العربية، والأسباب برسم علم الاجتماع.
ثمّ إنّ التحولات الكمية والنوعية، التي أنجزها الشعر العربي خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، والتي جعلت منه، في بعض التجارب، منتجاً له كلّ الجدّة، تؤكد أن الشعر ينمو بعافية وصحة.
وأما عن مصير الشاعر (هذه الفكرة الطريفة بفانتازيتها) فإنما يتحدّد بالدور والطبيعة اللذين سيكونان للشعر عبر تحولاته، كنشاط اجتماعي إنساني، نحو مستقبله، الذي لن يتحدّد بشكل نهائي إلا مع دمار البشرية وانقراضها. فما دام هناك من بؤر معتمة في الذات البشرية، أو في محيطها الحيوي والاجتماعي، فالشعر والشاعر موجودان.
■ ياسر اسكيف