هل مات الشعر؟
أعتقد أن الموت العربي يعمّم فعلته هذه في جميع الاتجاهات، وتلك مسألة لا تختصّ بالشعر وحده، إنما يمكن تلمسها في معظم الفنون ولكن بصورة متفاوتة تبعاً للحظة التاريخية التي تحكم تطورية كل لون من ألوان الإبداع بشكل مستقل.
يقول البعض إن زمن الشعر انتهى، أو أنه لم يعد ديوان العرب ،على أقل تقدير، وفي المقابل يبشرون بالرواية سجلاً جديداً لحياة الناس وأحلامهم، وربما أوهامهم أيضاً، لكنني في المقابل أعتقد أن انتشار السرد، على حساب غيره من الفنون ،يعني في أحد جوانبه طغياناً، أو انحيازاً نحو الثرثرة ، يتلاءم والمرحلة الحضارية التي يمرّ بها العرب عموماً، على ألا يعني ذلك تقليلاً من قيمة الحكاية الراقية التي لا تجسد ذلك الهذيان اللغوي.. واستناداً إلى ذلك يمكننا أن نفهم قصيدة الحكاية واليوميات التي تقدم على طبق النصوص المفتوحة والذرية أو الموصومة بأنها تحاكي مرحلة ما بعد الحداثة!.
في كل الأحوال لا تبدو عملية إطلاق النار على الشعر بهذه السهولة أبداً، إذن أنه ورغم هذا الموت الهائل، لا يمكننا تجاهل تلك الولادات النادرة في أكثر من صوت عربي ينتشر هنا وهناك.
وإذا ما استعرضنا التطورية الشعرية بشكل عام انطلاقاً من قصيدة السياب، في منتصف القرن الماضي ،حتى هذه اللحظة، يمكننا أن نقول أن الشعر يمرّ الآن بمرحلة السكون وليس الموت، أو ربما هو المخاض الذي ولا شك سوف تتبعه ولادات ،يلزمها بعض الوقت كي تتبلور ،وتتضح، حتى تصبح تجربة أو منهجاً، حتى يمكن تناولها نقدياً بالشكل السليم.
صحيح أننا من النادر أن نعثر على تجربة شعرية نافرة ومتكاملة، لكن ذلك ينسحب على بقية الفنون وأولها الرواية التي بدأت منذ أمد بعيد تستقبل أمواج المهاجرين من الفنون الأخرى، على أساس أنها كتاب المستقبل، وبالنتيجة فقد أصبحنا أمام تراكم هائل لهراء لا ينتهي ،من السرد الذي لا قيمة له، في ظل انتشار ظاهرة (الريزو) التي فعلت فعلها عند الروائيين والشعراء على حدّ سواء.
إن ربط الشعر بالبداوة أو بأصوات أقدام الناقة والحداء في الصحراء، وبالتالي نعيه مع أفول تلك المرحلة وانتهائها، أمرٌ فيه الكثير من التسطيح للمشكلة الحقيقية، ذلك أن الشعر لم يمت في أكثر البلدان مدنيةً وتقدماً في العالم، بل أنه ملازم للوجود أبداً، حتى وإن أصاب شعرية الإنسان أي عطب، فماذا نقول عن شعرية الكون والأشياء؟!.
■ زيد قطريب