من التراث «سُلطة المال»

ـ قال عمرو بن العاص لمعاوية: ما أشد حبّك للمال؟؟

فقال معاوية: كيف لا أحبه وقد استعبدت به مثلك، واشتريت به مروءتك ودينك.

ـ وقيل لبعض الحكماء: أيهما أفضل الأدب أو المال؟

قال: الأدب. فقيل له: فما بال الأدباء يأتون أبواب الأغنياء، ولا تأتي الأغنياء أبواب الأدباء؟

قال: ذلك لعلم الأدباء بمقدار فضل المال، وجهل الأغنياء بمقدار فضل الأدب وقال الشاعر:

من كان يملك درهمين تعلمت

شفتاه أنواع الكلام فقالا

وتقدم الأخوان فاستمعوا له

ورأيته بين الورى مختالا

ولولا دراهمه التي في كيسه

لرأيته أسوا البرية حالا

إن الغني إذا تكلم بالخطا

قالوا صدقت وما نطقت محالا

وإذا الفقير أصاب قالوا كلهم

أخطأ يا هذا وقلت ضلالا

إن الدراهم في المواطن كلها

تكسو الرجال مهابة وجلالا

فهي اللسان لمن أراد فصاحة

وهي السنان لمن أراد قتالا

ـ ودخل عمرو بن العاص على معاوية، يسأله حاجة فتشاغل معاوية عنه، فقال عمرو: يا معاوية، إن السّخاء فطنة، واللؤم تغافل، والجفاء ليس من أخلاق المؤمنين! فقال معاوية: يا عمرو بماذا تستحق منا قضاء الحوائج العظام؟ فغضب عمرو وقال: بأعظم حق وأوجبه، إذا كنت في بحر عجّاج فلولا عمرو لغرقت، في أقلّ مائه وأرقّه، ولكني دفعتك فيه فصرت في وسطه ثم دفعت فيه أخرى، فصرت في أعلى المواضع منه، فمضى حكمك ونفذ أمرك وانطلق لسانك بعد تلجلجه وأضاء وجهك بعد ظلمته.

فتناوم معاوية، وأطبق جفنيه ملياً، فخرج عمرو، فاستوى معاوية جالساً وقال لجلسائه: أرأيتم ما خرج من فم ذلك الرجل؟ فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين، إن الحوائج لتقضى على ثلاث خصال: إمّا أن يكون السائل لقضاء الحاجة مستحقاً، فتقضى حاجته بحقه، وإما أن يكون السائل لئيماً، فيصون الشريف نفسه عن لسانه، وإما أن يكون المسؤول كريماً فيقضيها لكرمه صغرت أو كبرت. فقال معاوية: ما أحسن ما نطقت به وبعث إلى عمرو فأخبره، وقضى حاجته، فلما أخذها ولّى منصرفاً، فقال معاوية: «فإن أعطوا منها رضوا، وإذا لم يعطوا منها إذا هم يسخطون» فسمعها عمرو فالتفت غاضباً فقال: والله يا معاوية لا أزال آخذ منك قهراً، ولا أطيع لك أمراً، وأحفر لك بئراً عميقة، إذا وقعت فيها لم تدرك إلا رميماً!!

فضحك معاوية فقال: ما أردتك (ما قصدتك) يا أبا عبد الله بالكلمة، وإنما كانت آية تلوتها من كتاب الله، عرضت بقلبي، فاصنع ما شئت.

■ هشام الباكير

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الأحد, 13 تشرين2/نوفمبر 2016 22:45