قالوا عنه:
أنسي الحاج ثائر قبل أن يكون شاعراً. شعره فعله الثوري الوحيد. شعره بالنسبة له هو الجنون... الجنون هو الوصمة التي يحملها من اختار أن يكون حراً.
لقد أقصته غرابته عن الساحة العامة. الشعر إذن بالنسبة لأنسي الحاج فعل تحرّر بالدرجة الأولى، فعل التقاء وانتقال الى الآخر(...)
غادر أنسي الحاج مباهج الجسد الخارجية الآنية العارضة وتوغّل فيه. لم تستلفته الأشكال ولا ظواهر المشكلات بل عاش الوحدة وتفكك العالم من الداخل. ولكن هل توغل بعيداً بعيداً حتى غاب عن الكثيرين؟ لغرابة عالمه وبعده جاءنا صوته غريباً. لقد توغّل بعيداً عنا في العتمات التي لم نجرؤ على اقتحامها، لكنه هناك نسي الإلتفات إلينا، لم يغنّ، لم يوضح (...) قدّم لنا عطاءً جديداً مرهقاً، شعراً متفحّم المشاعر يضخّ مرارةً، يكشف أدغالاً مجهولة عن نفس تتوهج بالموت. أليس عطاء الإنسان الأهم، هو الكشف، الكشف، الكشف؟
● خالدة سعيد
إنني أعزو هذه الغرابة في التعبير عند أنسي الحاج ونعْت هذا التعبير بأنه غير عربي، إلى كون أنسي الحاج قد أدخل إلى المفردات الشعرية العربية تعابير غير متداولة في الشعر. وهو لم يدخل فقط ألفاظاً جديدةً، بل إنه أغنى القاموس الشعرى العربي- إذا صحّ التعبير- بمفردات أدخل الكثير منها دفعة واحدة فظهرت غريبة خارجة على المألوف. لكنه لم يكتف بإدخال مفردات جديدة على التعبير الشعري العربي: إن الكلمة التي حملها، قد حمّلها أكثر مما تعوّدنا أن نرى. اللغة في "لن" تنفجر بمعان غير مألوفة، وهي موضوعة في سياق غير مألوف، هذا هو وجه الغرابة.
لولا الشعر تموت اللغة، تموت بالفعل. ومن هذا المنظار، أهمية "لن" أنها أدّت خدمة كبيرة في إحياء اللغة وتجديدها. وهذه الناحية تنعكس، بدون ريب، على طبيعة شعر أنسي الحاج وموقفه من الحياة. لقد رأينا أنه رافض. وهكذا رَفَضَ التقليد، رفَضَه شكلاً ومضموناً.
● يوسف الخال
أنسي الحاج رفع قصيدة النثر إلى مستوى الشعر الحقيقي. فلغته لغة حضارية، لمّاحة، متوهّجة، ناضرة، شفّافة. أنسي رفيقي على درب الشعر الطويل، وأنا فخور بكل كلمة كتبها أو سيكتبها. إنه نموذج للشاعر الحقيقي حيث يلتقي الشعر والرسولية في جسد واحد. إني أحبه وأحلم دائماً أن أقتني واحداً من خواتمه.
● نزارقباني
... تلك الحركة الخارقة، من تصادم الصور بالصور والكلمات بالكلمات والكلمات بالصور، والتي تلفّ الجزء الأكبر من "لن" وخصوصاً الجزء الأول، رغم عدوانيتها اللغوية، كأنَما في سفكها الطازج للمتراكم والراسب والعادي والشائع، تخبىء وصولاً جمالياً خاصاً، يرسو في بقعة جمالية تتجاوز المد المخرب الزاجر الهادم، إلى بناء لغوي- شعري متهيىء وفاتح.
القصيدة ترفع الخراب (العدوانية) والتمرّد والرفض، تطحن الكلمات لتسحب منها نشيداً، نشيداً حياً لا يلبث أن ينتقل في الجزء الثاني من "لن" من الأشكال الجسدية والحواس المستنفرة في فجاجتها إلى الأشكال المجرّدة والغنائية، ذات المد المستلين على حدة، ليبرز نوع من "التأليف" هو أقرب إلى كتابة ترجمة جوّانية للتجربة الإنسانية والنفسية، حيث يطل نَفَس تأملي عالٍ وفاجع. كأنما بعد تلك الرحلة المحمومة والمجنونة تراكمت كل اللحظات في لحظة درامية متفجّرة وقف فيها البطل في خراب الزمن ليتلو نهاية المرثية، أو بدايتها.
● بول شاوول