ينتقد الشعراء الذين يكتبون من داخل منظومة فقهية أكثر مما هي شعرية! الشاعر طارق عبد الواحد: الصورة امتحان الخيال ومحنته

لدى طارق عبد الواحد الكثير من المشاريع، لم يظهر منها إلا مجموعة وحيدة (نهايات)، أمّا ما كتبه لاحقاً فظلَّ طيّ الأدراج في انتظار قدر ما.
في قصيدته نزقٌ وعصبيّةٌ، يربطان الشخص بنصّه، ربطاً مشيمياً، لجعل المكتوب تعبيراً عن سوء التفاهم مع العالم. بالإضافة إلى ذلك، هو حاضر بمقالاته التي تستند إلى آليات المنطق، وتعمل على صرامة التحليل والقراءة...

منذ البداية كنت تفكر بالنهاية والمآل الأخير، حتى أنّك سمّيت باكورتك (نهايات).. كيف ذلك والشعر يعني البدايات، وينتمي إليها، أكثر؟
• بدهياً، البدايات تحتمل الشعر أكثر من النهايات، فمرور الزمن يخرّب الأشياء، ويخرب العلاقة معها.بهذا المعنى، البحث عن (الشعري) في النهايات أصعب من البحث عنه في البدايات. ثمّة ما يبقى (شعرياً) في سيرة الشيء أو العنصر منذ بدايته وحتى نهايته، والبحث عن الشعري في هذه الحال.. هو البحث عن جوهر الشيء، حقيقته وواقعه الشعري، وليس ما قد يطرأ عليه. ربما كان هذا هو المناخ الذي أعمل عليه، وليس بالضرورة أن يكون صحيحاً.
تبدو رثائياً في الكثير مما تكتب، فدائماً ثمّة موتٌ تراه متربصاً بالوجود..
• لست الوحيد، فالإنسان هو كائن يعي موته، ويعي علاقته بالزمن. رثائي؟؟ ربما! ولكن هذه الرثائية نابعة من الانحياز إلى العالم، والانتصار له. دائماً.. ثمة موت.
تبشّر بموت الشعر متغنياً بشعرية التكنولوجيا. كيف ذلك؟
• لا أبشر بموت الشعر، الأصح أنني أنذر بموته، وهذا يعني أنني حزين لذلك. لكن الواقع يعلن بشكل صريح عن انحسار الشعر، وتراجعه إلى الصفوف الخلفية. ربما.. لن يتوقف الشعر، من حيث الكتابة، لكنّ حامله الاجتماعي يعاني من شركات الموت. وإذا أردنا أن نكون أكثر شجاعة، يجب علينا أن نعترف أن الشعراء «عبر تاريخ الشعر» مسؤولون أكثر من غيرهم عن هذا المصير، كثيرون هم الشعراء الذين كتبوا شعرهم من داخل منظومة فقهية أكثر مما هي شعرية!
بخصوص التكنولوجيا ـ نحن، ببساطة، نعيش في آنة تكنولوجية، تعمل على خلق منظومتها الثقافية والفكرية والسياسية الخاصة بها، وهي آنة حققت الانتصار على جميع الآنات الأخرى، بما فيها الآنة الشعرية.
اليوم الشعر في مأزق أمام العلم، والمفارقة تكمن في أنّ الشعر استمد أهميته وجدواه من خروجه على المنطق العقلاني، لكن هذا المنطق اللاعقلاني استطاع، أخيراً، أن يخلق عوالم وفضاءات، تكاد تكون شاعرية وشعرية، وقد تبدو لا عقلانية للوهلة الأولى. خذ نظرية أينشتاين في تفسير الجاذبية، مثلاً. إنها أكثر شعرية وشاعرية من آلاف النصوص التي كتبت تحت عنوان الشعر، ناهيك عن الأمثلة الأخرى، خاصة فيما يتعلق بمنجزات التكنولوجيا.
كيف تنظر إلى قصيدة النثر اليوم، محلياً وعربياً؟
• إن قصيدة النثر تتواجد في المشهد الثقافي والفني بدافع من قوتها الخاصة. بالمعنى الفيزيائي بسبب قوة العطالة، وأرجو أن تثير مفردة العطالة معنى سلبياً. لا أحد يستطيع، بعد اليوم، أن يدحضها، وأن يتجاهلها، وأظن أنه من الضروري العدول عن ذلك، لأنّه عمل ضد التاريخ. ولا يمكن الحديث عن مستقبل قصيدة النثر لأنها هي المستقبل نفسه الذي يتحقق لحظة بلحظة.
تقول بتفوق الفن السابع على الشعر، مع أنّ السينما استفادت كثيراً من الشعر.. هلاّ وضحت ذلك؟
• السينمائيون ذهبوا إلى الاستديوهات متخففين من التاريخ، فتاريخ السينما مقارنة بتاريخ الشعر يبدو صغيراً جداً. ومع ذلك لم يرتبك السينمائيون، واستطاعوا أن يعملوا على مجد السينما. صحيح أن السينما اعتمدت على الفنون الأخرى، والشعر من بينها، لكن ماذا كانت النتيجة؟ لقد نجح السينمائيون بخلق (المنطق السينمائي) بينما فشل الشعراء في تطوير (المنطق الشعري).
هل من أفق ما للشعر في «عصر الصورة»؟ وهل تعتقد بأنّ التلاقح، بين الشعر والصورة، قد يكون مثمراً؟
• قد يبدو الأمر كما لو أنه موضة، ومع ذلك، فليكن! فالصحيح أيضاً أن إنتاج الصورة، وتداولها، أصبحا في متناول الجميع.
فكر بتقنية (البلوتوث) مثلاً. أو حتى بإمكانات (الفوتوشوب)، لقد أنهت التكنولوجيا احتكار خلق الصورة وبثها، واستقبالها. والصورة الآن جنباً إلى جنب مع الكلمة. أعتقد أن الصورة هي امتحان الخيال ومحنته، في الوقت نفسه.
ما الذي يعنيه لك وجود شيء يسمّى الشعر في هذا العالم؟
• إن أحد أشيائي القديمة، كلما هجرته أشعر بالحنين إليه، ولا أستطيع التعامل معه إلا من باب أنه مسألة شخصية جداً.