محمد المطرود محمد المطرود

كاتبة تعاني فوبيا الكُتّاب الذكور... نصائح نكرة

سنوات تفصلني عن قراءتي لرواية (زوبك) لعزيز نيسن، وإن تكن مناخاتها عالقة في ذاكرتي، فأنا الآن لا أتذكر من جملها إلا المثل الذي استهلت به «الكلب الراكض في ظل العربة يظن أن ظل العربة ظله» وفي متن كتابتي سأبين العلاقة بين المثل ما يلي الحكاية:
أن صديقاً مؤمناً بمواهبنا (النقدية) زودنا بمجموعة (شعرية) وارتأى أن نقيم ندوة عنها في الثقافي الروسي كنت أقل الثلاثة شأنا في الكتابة النقدية لانسحابي إلى الشعر، وما كتابتي للنقد إلا من باب وقوفي على نصي وقوف المحايد والموضوعي، عدد الحضور مع النقاد الأفاضل أقل من (10) وهذا لم يكن غريباً فعزينا أنفسنا بأن الحضور نخبة وهم الأهم في العملية الثقافية في وقت انحسار القراء، والنقاد، و(أنصاف الكتاب).

ماذا حدث:

قرأنا الشاعرة الجميلة قراءة المحب للشعر، والمدافع عنه، غير نافين عنها شاعريتها بالطبع فليس من حقنا، أن نلبس أحداً الجبة، أو نخلعها عنه، بيّنا مواطن الضعف والهنات، وبالمحصلة تقاطعنا نحن الثلاثة في أماكن كثيرة، واختلفنا في أخرى، وذلك دليل على أن القراءات حظيت بالمنهجية إلى جانب شيء من المجاملة، لإيماننا بحساسية الأنثى، ليس من منطق الذكورية واستلابها وإنما من تقديرنا لهذا الكائن القيم، فمرقنا جرعتنا النقدية بطريقة مواربة، لاسيما أن الشاعرة ستحضر، ومن اللطف أن نخفف من ثقل دمنا، مادام أن الأنثى ذات الإحساس المرهف، دعيت فجأة إلى الإمارات، مكلفة صديقة لها بقراءة رسالتها إلى النقاد الذين أصيبوا بخيبة أمل، ومكلفة مدير الندوة بالتكرم علينا بالعشاء في نادي الصحفيين.

في الصميم:

لأن عقليتنا، تأخذ بالمنجز، لا يمكن أن تتقبل الإشارة إلى الخلل، ويرى الواحد منا أن ما يقوم به منزه وفوق النقد، فإما أن تطبل وتزمر وإما فأنت (متفذلك) و(متحطط) وتستحق أن تنعت بالاستعراضي، الذي يرى الآخرين عضلاته النقدية، وقد بيّنا عدد الحضور وهم أصدقاء يعرفوننا ونعرفهم، لم يتوجب علينا ممارسة الأستذة عليهم أو الإتيان بمصطلحات نقدية جافة بل اكتفينا بقراءة حب فيها تسليط الضوء على الإشراقات، إلى جانب ما رأيناه مخالفاً لروح الشعر، ولروح الشاعرة العالية، لو أنها اهتمت بقراءاتها وأخلصت للشعر أكثر.

العلاقة مع المثل:

«الكلب الراكض في ظل العربة يظن ظل العربة ظله» الأقل من عشرة (الحضور) من ضمنهم مشرفة على صفحة قراءات في الكتب في إحدى صحفنا المحلية، وبعد انتهاء الندوة هبطنا من الطابق الرابع للمركز إلى الطابق الأرضي، وهناك أبدت إعجابها بهكذا كتابة وللأمانة لم نكن بحاجة لإعجابها أو دعوتها للكتابة في صفحتها لسببين:

1 ـ أصغر منا سناً وعمراً إبداعياً.

2 ـ أنا شخصياً لعدم رغبتي في النشر، وأعتقد أن لزملائي آرائهم الخاصة بهم على كل حال تلمسنا في ذلك طيباً لولا أننا فوجئنا فيما بعد بنصائحها «نصائح للنقاد» وأنا على يقين لو أن النصائح الساذجة أرسلت لجهة غير الزاوية المطوبة لها لكان حظها سلة المهملات، أو في أحسن حال زاوية ردود في صفحة الشاعر الجميل أحمد تيناوي.

لماذا النصائح:

يبدو أن الشاعر (المنقودة) وبعد مشاهدتها للندوة مصورة، أصابتها الخيبة، وهي تظن أن مجموعتها ستحقق فتحاً في الكتابة الشعرية، فكان ملاذها صديقتها (المشرفة) لتحمل عنها بعض التعب الذي تسبب به النقاد.

و(الصديقة وقت الضيق) فجاءت نجدة الثانية على شكل نصائح أقرب إلى طريقة الأطباء في (الرجيتات) عن المسموح والمكروه من الطعام وكان الأجدر لو أنها كتبت عما قدم وكنا سنتقبل الأمر بروح رياضية حتى لو أن وصل الأمر بها إلى حد الشتيمة مؤمنين بغيرتها على صديقتها، لأن النصيحة لا تأتي من الأدنى (النكرة) بل من الأعلى صاحب العلم والدراية والحكمة والتجربة، مجموعة عوامل ومؤهلات تؤهله لأن يكون مسموعاً.

فإن تضخمت أنا محررة صفحة القراءات نتيجة مجاملات براغماتية أو مجانية فظنت أن ما يكتب في حيزها لها أو دون كتاباتها (المذهلة)، فإني سأبوح لها بأن تتويج فتوحاتها كان في رواية بائسة جل من أهديت لهم لم يقرؤوا /20/ صفحة منها فكيف كبرت وأهلت لتسدي النصائح للنقاد أو حتى لبائعي الخضار في سوق الزبلطاني مع احترامنا الشديد للشاعرة والمشرفة ولبائعي الخضار، ولنا نحن معشر النقاد.
 
قولٌ على قولٍ

تتفاقم العلاقة النقدية مع النصوص الصادرة عن كاتبات يوماً بعد يوم، بحيث ينتج عنها اتهامات أكثر من إنتاج أفكار وقراءة تفاعلية.

فبسبب من سلبية الوعي العام، يتم ترسيم العلاقة زوراً على أساس ناقد ذكر، ومنقود أنثى، في أنها مسألة تستلزم معايير ثقافية موضوعية، غير الاحتمالين اللعينين الذين لا ثالث لهما، حيث يتهم الكاتب ـ الناقد أخلاقياً، حين يأخذ نقده منحى سلبياً بحقّ النصّ، فتجد من يتقوّل عليه بأنه ينتقم من الكاتبة ـ المنقودة لأنّها لم تستجب لدعوته إلى السرير، يأخذ نقده منحى إيجابياً، ستجد من يفتري بأنّ ذلك إغواء، وفتح قناة و(تطبيق)، أو نتاج علاقة جنسية.

هذان الاحتمالان مرفوضان، والأجدى أن يكتب كلٌّ نصّه، ذكراً كان أم أنثى، وليعلق الطرف الآخر كما يشاء. أما بالنسبة لعلاقات بين الجنسين من الكتاب، فهذه مسائل شخصية، وعلى العموم هي جمالٌ على جمال..

ما يؤلم حقّاً هو صدور هذه الاتهامات (السخيفة) عن كاتبة صحفية، فذلك يعني أنّها جعلت من المنبر الذي ائتمنت عليه ساحة زور.