عمر كوجري عمر كوجري

ماتزال دواوينه تطبع بشكل سري «جكرخوين» والتعبير عن المرحلة بامتياز

مر الأدب الكردي شعراً ونثراً وملاحم وقصصاً شفاهية بمراحل تاريخية امتازت بالصعود حيناً وبالتسطيح، والبؤس الإبداعي حيناً آخر كما حال باقي الآداب العالمية، وتأثر هذا الأدب وأثر إلى حد ما بالمحيط الذي يحيا في وسطه الكرد، وكان دخول الكرد في لجة الدين الجديد والاندغام في حمل ثقافة هذا الدين أبعد الأثر في تهميش الإبداع والكتابة باللغة الكردية لصالح اللغة العربية على وجه التخصيص، وبرز هؤلاء خاصة في وضع اللبنات الأولى في بنيان علم النحو والصرف العربي.

وبالنسبة لتوضيح ملامح الشعر الكردي يمكن القول بأن البداية الحقيقية لتطور الشعر الكردي وثرائه الحقيقي ظهر على يد «ملا أحمدي جزيري» 1407- 1481 وملا أحمدي خاني 1650 - 1706، وكان خاني يكتب قصيدته ممزوجة باللغات الكردية والعربية والفارسية والتركية في قالب أدبي فريد وغني.
وإذا استعرضنا خارطة الشعر الكردي في بدايات القرن الماضي سيظهر على اللوحة بوضوح الشاعر الكردي جكرخوين 1903- 1984.
فرغم الشهرة الواسعة التي يحظى بها الشاعر جكرخوين في اختلاف جغرافيا التواجد الكردي، وفي الوسط الثقافي وكذلك الشعبي العام، إلا أنه لم يحظ بدراسات نقدية معمقة وجادة من قبل الدارسين والنقاد الكرد، ولايلام الدارسون ممن هم على تماس بالحياة الكردية بالاهتمام بشعر جكرخوين ودراسته بسبب عدم شيوع اللغة الكردية، وجهل هؤلاء بها وكذلك بؤس حركة الترجمة من الكردية إلى العربية أو الفارسية أو التركية رغم وجود مساحة واسعة من الكرد الذين يجيدون لغتهم واللغات المذكورة، إضافة إلى ابتعاد العديد من الفعاليات الثقافية غير الكردية عن الثقافة الكردية لأسباب معروفة.
وقد ظلم هذا الشاعر على أيدي بني جلدته بصورة خاصة بسبب الأحكام النقدية الإطلاقية غير العلمية التي رغبت في إضاءة عالمه الشعري سواء كانت مقالات أو دراسات غير معمقة.
وهذا مقتل النقد.. فقد ضاع الرجل بين من يقول: جكرخوين عظيم الشعب الكردي بلا منازع وملك الشعر الكلاسيكي و.. لولاه لاضمحلت اللهجة الكرمانجية وهو من حماه من خلال قصائده، وبين من يقول أنه -أي جكرخوين- هو أكبر معيق لتطور الشعر الكردي بسبب استسهاله في الكتابة ، وإغوائه للأجيال الشعرية التي أتت بعده بيسر الكتابة في مجال الشعر طالما أنه لايحتاج إلا إلى نظم بسيط ذي إيقاع متواتر بعيد عن الدفقة واللحظة الشعورية العميقة والصورة الشعرية المبتكرة المبهرة..

 إذاً: جكرخوين وشعره بحاجة إلى ناقد يتخلص من نوازعه الشخصية، وينظر إلى نصوصه بعين النقد الموضوعي البناء البعيد عن الأهواء الشخصية لينصف هذا العلم.
الشاعر جكرخوين مدين في ثقافته، وتحصيله للثقافة الدينية، فقد تعلم على أيدي الشيوخ والملالي علوم الدين والنحو والصرف لكنه لم يكتف بهذا القدر بل جاب كردستان العراق وإيران وتركيا طلباً للعلم.

يقول:

لقد تركنا طريقك ياصوفي

لانريد ليالي سوداء ولاطرقاً سوداء

آلاف من السنين ونحن كالمجانين

وقد تركنا الحجر الأسود

يعتبر جكرخوين من مؤسسي جمعية خويبون ومن الرعيل الأول للكرد الذين دخلوا في صفوف الحزب الشيوعي السوري.

وبالإضافة إلى كتابته الشعرية فقد برع في التدريس في جامعة بغداد وألف كتاباً في قواعد اللغة الكردية..

امتاز جكرخوين بغزارة شعرية «له ثمانية دواوين» لعلها جاءت على حساب المضمون في الكثير من نصوصه وقصائده، فهناك الكثير من القصائد المتشابهة من حيث الشكل والمضمون وكان يقلد الشعراء القدامى بتذييل اسمه في آخر قصيدته باسمه جكرخوين «الكبد الدامي».

والعديد من قصائده مشبعة بروح المباشرة والخطابية الفجة أحياناً:

أيها الرفيق المتطور

ياأخي أنا أيضاً على هذا الطريق

تعال وضع يدك في يدي

نناضل معاً ليل نهار

في نصوصه انتصر للحق والعدالة التي نشدها لشبعه وللآخرين فتضامن مع كل القوى اليسارية في العالم:

أيها الرفيق روبسون يامغني العالم

صوتك الجميل يصل إلى مسمعي جيداً

وللشاعر نصوص كثيرة عن المرأة والمحبوبة، فقد أفرد مساحة واسعة من شعره لأنثاه:

ياقلبي إن المحبوبة ستحل ضيفة عليك الليلة

هي على عيني واليوم نزهة قلبي

ياقلبي قم وافرح كثيراً اليوم لقدوم محبوبتك

وكل المغاليق قد فتحت أمامك ياقلبي

يمكننا القول: إن جكرخوين كان صدى للمرحلة التي ظهر فيها، وسيُظلم الرجل إذا طبقنا عليه مقولة رولان بارت بموت المؤلف، واستنطاق نصوصه فحسب دون مراعاة شرطه الحياتي بشكل عام، وتحصيله الثقافي بصورة خاصة.

ولاشك أن له نصوصاً في غاية الروعة والجمال، لكن لنعترف أيضاً وهذا يدخل في صالح إبداعه لاضده أنه لو عاد إلى الحياة بعقلية الثقافة الجديدة، واطلع على آداب الآخرين وتعلم لغات أجنبية لتبرأ شخصياً من الكثير من قصائده وربما اختصر عدد دواوينه من ثمانية إلى اثنين أو أقل..

يبقى أن أقول:

جكرخوين شاعر كردي سوري وإلى هذه اللحظة تطبع دواوينه بصورة سرية وبالفوتوكوبي أي بطباعة رديئة .. ألا يحق لهذا العلم الذي كان يدعو إلى الإنسانية الخلاقة والحب المتسامي أن يرفع الحيف عنه ، وتتيسر له مؤسسة تطبع أعماله بصورة تليق به وبقامته الشعرية؟؟

ومن المؤسف حقاً أن تطلب اقتناء أعماله الأصلية فتأتيك من استوكهولم من مؤسسة

Roja nu وليس من مؤسسة المطبوعات في وزارة الإعلام أو وزارة الثقافة !!!

وهذه دعوة للمؤسسات المعنية أن تعيد النظر للأخطاء الطباعية الكثيرة التي تغلف دواوين الشاعر الثمانية احتراماً للمتلقي، كذلك يجدر الاهتمام بنقل نصوصه إلى معظم اللغات الحية ومنها العربية.