انتماؤه الحزبي لم يؤثر على كتاباته الشاعر محمد خالد رمضان: اليأس لا يدخل حياتي
الكل ينادونه: (أبو عبدو), في طريقة تجعله قريباً إلى القلب أكثر من تلك المسافة التي تفرضها الألقاب الثقافية، المقيتة حقيقة، فالرجل الذي يمد يده للجميع فيدقق ما يكتبونه، ويوزع كتابات أصدقائه باليد، لا يحتاج شيء غير ما تفرضه العلاقة الإنسانية.
هكذا هو محمد خالد رمضان، الشاعر والقاص والباحث في التراث الشعبي، والمناضل الحزبي العتيد، حيث كان لنا معه هذا الحوار:
• كتبت العديد من المجموعات الشعرة، آخرها(خمرالسؤال)، ومع أن شعرك ينتمي إلى قصيدة النثر تم التعامل معك كشاعر تقليدي، ما السبب برأيك؟
لي أربعة دواوين شعر هي: (نداءات السحر) و (تنويعات على الزمن المتكسر) و ( أسمعك يا من تسمعني) و ( خمر السؤال). ديواني الأول على شكل قصيدة التفعيلة، وأنا أكتب قصيدة العمود أيضاً، ولكنني لم أطبع أي ديوان على هذا الشكل. وصحيح قولك إن شعري كله ينتمي إلى (قصيدة النثر) التي أسميها القصيدة الحرة، وشعر الحداثة إجمالاً يتمثل بها، تلك القصيدة المتحررة من الوزن، والقافية، والموضوعات الشكلية الجاهزة هذه القصيدة هي القصيدة التي أرى فيها الشعر الحقيقي، وأساتذتنا الكبار في هذا اللون من الشعر هم: علي الناصر و خير الدين الأسدي و محمد الماغوط و سليمان عواد.
وحول ذلك أرى أن الحداثة ليست فقط التحرر من الوزن، والقافية، والموضوعات القديمة بل هي تقديم الشعر، وليست اليوميات، الشعر من الداخل، من الأعماق، وليس من السطح، بمعنى تقديم الصورة الشعرية العميقة الغائرة في زمان لا ندركه، والتي تقدم لنا لوحات لم نعرفها بعد، وإلى آخر ما هنالك من الأشياء.
أما التعامل معي على أنني شاعر تقليدي، فالذي يقول ذلك لم يقرأ شعري، بل يقرأ انتمائي ويحمل أفكاراً مسبقة عني وعن شعري دون أن يطلع عليه، يحمل صورة عني مغايرة للواقع فقط لأنني شيوعي، وأعتقد أن ذلك هو السبب.
فأنا لم أكتب شعراً تقليدياً، وهذه دواويني شاهدة على ذلك، وأنا لست مع هذا الشعر. وأكتب القصيدة الحرة بشكل خاص بي ولا أحب الشعر المباشر والخطابي ولا أعتبره شعراً.
• تحفل قصائدك بمناخ ريفي، فلا تتوانى عن ذكر أزهار ونباتات، كما تهتم بالأمكنة..هل لذلك علاقة بالطفولة والنشأة في مدينة الزبداني؟
حول احتفال قصائدي بالمناخ الريفي، أنا لا أرى هذا الرأي. هناك بعض المناخات الريفية في قصائدي، فبلدتي الزبداني فيها من تنوع الأزهار، والأشجار، والينابيع، والأنهار الشيء الذي يجعلها وحيدة ليس في بلادنا فقط بل في مناطق كثيرة في العالم، فهي الزبداني.
أنا أمزح في قصيدتي المكان بالزمان بالوجود بالإنسان بالحب والعشق، أريد من قصيدتنا أن تكون كل شيء، والشعر برأيي الشعر الحقيقي هو كل شيء، وهو إن لم يأت في كل قصيدة بشيء جديد ليس شعراً، الشعر له وجود خاص نحن الشعراء نبدعه، صلته بالجماليات العالية التي يبدعها الشاعر.
• تكتب الزجل، ولك دراسات حوله، هلا وضعتنا في صورة هذا النوع، بشكل خاص، والشعر الشعبي على العموم؟ ثم ماهي العوامل التي تؤثر على عدم تسليط الضوء عليه كما في دول عربية اخرى؟
لقد كتبت الزجل ولا أزال أكتبه، وكتبت عنه، وأعتبر بأن بعض شعراء الزجل أهم بكثير من بعض شعراء الفصحى، ولا أفرق بين الشعر الجميل إن كان بالفصحى أو بالعامية، فكم شاعر بالفصحى يشبه شعره شعر ميشيل طراد أو شعر سعيد عقل أو شعر أندريه شديد؟ أظنهم قلائل جداً هذا في لبنان، وفي سورية هناك زجالون مستواهم الفني عال، وقدموا شعراً جمالياً راقياً كحسين حمزة وميخائيل عيد، وللأسف فإن حق المذكورين مهضوم كزجالين. أما واقع الزجل الحقيقي في سورية وليس المنبري فإنه واقع غير صحي، فالمؤسسات الرسمية ضده، وتعتبره عدواً للفصحى، وهذا موقف مخالف للعلم، وللحياة، لذا لا تشجع أو تتبنى طباعته، ولا تعمل على توزيعه، وهو موقف متخلف للأسف، تحميه المؤسسات والفكر التقليدي المتخلف، وفكر السلطة، والفكر المغاير، والتقاليد البالية حول حماية اللغة العربية، فاللغة الفصحى لا تحمى بهكذا أفكار بائسة متخلفة.وأذكر هنا أن لي ديوان زجل مطبوع بعنوان زبدانيات.أما الزجل والشعر الشعبي في بعض الدول العربية فتسخر لهما المراكز الثقافية والمؤسسات وتقام لهما المهرجانات، وتتبنى الجهات الرسمية طباعة الزجل والشعر الشعبي، وهناك مجلات معروفة شهرية لمثل هذا الشعر ومنها مجلة صوت الشعر اللبنانية.
• أنت منتم الى حزب، ولك موقع قيادي فيه، ودائما كان المثقفون الحزبيون متهمين بقلة الموهبة، والدعاية على حساب المسائل الفنية، وقد انتقدك بذلك علانية الراحل ممدوح عدوان.. ما ردك؟
أنا رجل منتم للحزب الشيوعي السوري، ولا أزال في هذا الحزب وسأبقى، ولكنني لست عضواً قيادياً فيه، وأنا أفخر، وأعتز بهذا الانتماء، ولكن انتمائي للحزب لم يؤثر على كتاباتي الإبداعية في مجالي الشعر والقصة القصيرة، ولم أوظف موهبتي، وأدبي لفكر وحزب معين إلا في الإطار الإنساني العام، وظفتهما للإنسان، لخلق إبداع جديد لم يبدعه غيري، فأنا لم أكتب خطاباً ودعاية للحزب على حساب المسائل الفنية، فأنا عندي المسألة الفنية في الأدب أهم من أي شيء. أما في دراساتي فأعتمد المنهج العلمي المنهج التاريخي الديالكتيكي النقدي. والكتاب المنتمون للحزب أكثر موهبة من الذين يتهمونهم. أما عن ممدوح عدوان ـ رحمه الله ـ الذي تقوّل علي وسماني علانية وقال إنني لا أجيد كتابة الإملاء فأقول:
هذا شعري في السوق وهذا شعره. ليتك تقرأ ما كتبنا من شعر وتحكم أنت وغيرك من هو الأشعر فينا، هو كتب وطبع كماً كبيراً من الشعر خمسة وعشرين ديواناً، وأنا طبعت أربعة دواوين.
مات الرجل رحمه الله. لكنه كان رجلاً حاقداً موتوراً لا أعرف لماذا. أنا لا أكرهه. شعره خطابي موظف عالج الأمور من السطح. شعره (قرقعة طبول) في مساحات معينة، لم أقرع طبلاً في شعري. للأسف فقد كرسه إعلام معين، كرس حتى شبع تكريساً. شعره كله شعر مباشر لم يستطع أن يطرق باب الشعر. كان مترجماً جيداً وكتب مقالات جميلة، وهو ظريف. بالنسبة للإملاء والكتابة من المعيب أن أذكر أنني عملت مدققاً لغوياً لعدة دور نشر. وأنني مدقق لغوي لكثير من الكتاب المشهورين، مع العلم بأن إتقان إنسان ما للغة لا يجعل منه أديباً. أو يعطيه موهبة.
• نراك توزع على أصدقائك الكتب والجرائد والمجلات، وهذه صفة تلتصق بالشباب المتحمس للثقافة والابداع.. ألم تيأس وقد بلغت العقد السابع؟
تضم مكتبتي سبعة عشر ألف كتاب في الأدب، والدين، والفلسفة، والفن، والموسيقا، والفكر، والتراث العربي، والتراث الشعبي. هذا عدا الدوريات الشهرية المختلفة، فأنا أقتني كل الدوريات، وأنا قارئ نهم، أتابع النشاطات الفكرية، والأدبية، والسياسية فأنا متابع نشيط، وكذلك أتابع النشاطات الاجتماعية، اليأس لا يدخل حياتي، أتابع الكثير من المواهب في الشعر، والقصة، وغير ذلك مثلما تابعت سابقاً الكثير ممّن أصبحوا من عداد كتابنا الذين يشار إليهم. وأعتبر همتي همة شابة خاصة في قضايا الثقافة والإبداع.