أيها الكتبة
بمقدور المرء القول : إن الكتابة في أحيان كثيرة تبتذل، كمفهوم وكمنحى، إلى أبعد مانتصور، بحيث تصبح مهنة من لامهنة له، أو " كار الفاشلين"، رغم أنها، في الطابع العام، ليست مدعاة للإغراء والكسب الكريم كما في غير بقاع الدنيا .
ومما يؤسف له أن الطارئين والدخيلين في هذا الميدان الصعب كثر، إلى حد يتعذر علينا معرفة الكاتب الجاد الذي يثابر على الدوام ، ويجتهد لتطوير ملكاته الثقافية والإبداعية، عبر تواصل خلاق مع كل ماهو جديد، وبين الكاتب الذي سال لعابه من الشهرة المزعومة ، وقد يشتغل دهاناً أو بائع موبيليا أو حلاقاً.. وفي وقت انتظار الزبون يكتب مقالة هشة أو قراءة سطحية متسرعة في كتاب متسم بالفجوات، والأماكن الرخوة المعتمة التي لم يسعفه قلمه لإضاءتها، وإعادة إنتاجها من جديد .
والأقسى من ذلك أنه مفعم بالأخطاء الإملائية والنحوية ، وقد يترفع لا بل بالتأكيد ذلك النحرير حتى عن إعطاء مساهمته " العظيمة" لصديق يمكنه تقويم اعوجاج النص ، ويظهر عثراته ومثالبه، قبل أن يأخذ طريقه إلى النشر في صحافة، هي في الغالب رسمية أو ترعاها " أمنا الدولة " ، التي تأخذ من قوت الشعب مايمكن أن يغطي خسائر هذه الصحافة، ومرتجعاتها الكثيرة، بالطبع .
ولايخفى على ذي بصيرة أن الكثير من القائمين على الصحافة الرسمية لديهم فريق خاص بهم ، وأسماء خاصة تتكرر على مدار الأيام والأسابيع، حيث تربطهم مع بعض، هؤلاء السذج والمنافقين، علاقات صداقة وطيدة، عبر اللحومات والمازوات الشرقية والغربية في مطاعم النجوم المتلألئة في العاصمة، في حين أن أسماء كثيرة تغرد خارج السرب ، وخارج التصفيق المجاني .. أسماء مهمة لها صولاتها وجولاتها خارج البلاد ، وتستضاف على الفضائيات وتشارك في مؤتمرات دولية هامة .
هذه الأسماء وبسياسة مدروسة ومتقنة تُقصى من المشهد الثقافي ، وتُهمَّش ، وتُحجر في زاوية ضيقة ، وإذا قوبلت ببعض الترحيب غير المجاني يُضغط على ذلك الكاتب الأصيل لكتابة نصوص على مقاس " سرير بروكوست " بحيث تنتفي فيها نكهة الجمالية التي ارتآها، واشتغل عليها صاحبها ، وتصبح مثل فاكهة بلاستيكية اعتلاها غبار كثيف .