الشاعر الخارج من البئر النازل إلى الغوايات محمد المطرود: حين أقرأ قصيدة لا يهمني عمر قائلها
يعتبر محمد المطرود أحد شعراء قصيدة النثر المهمين في سورية ، مشغول بالشعر ، ويعول عليه ، ويكتبه بحساسية عالية ، ودائماً يتحدث عن قصيدة مثقفة ، وإن تكن متعبة ، فهي تهذب ذائقة المتلقي في حوارنا معه تناولنا جوانب من حياته، وأرائه في الشعر والكتابة.
* أنت نتاج تمازج ثقافتين، (عربي الأب، كردي الأم) ما تأثير ذلك على نصك؟
عملية التهجين مفيدة، وتطور بعض الملكات، حتى على مستوى الشكل والصورة، وكذلك الحال مع الثقافة، أنا ممتن لروح أعمامي التي انتقلت إلى عربية خالصة، علمتني اللغة الحقيقية، ودربتني وهذبتني لأكون شاعراً، وأشكر أمي العزيزة الغائبة الراحلة باكراً، و التي عرفتني على أخوالي الأكراد، ونقلت إليّ مع حليبها ثقافتهم، وحبهم للحياة، ومن هذا الباب، دخلت بيت الثقافتين شخصا مرغوبا فيه.
* ما الشعر عند محمد المطرود؟
برأيي الشعر إثم، ويفتح الباب للخطيئات، لكن لا يمكن إلا أن تنظر إلى الخطيئة، هنا، على أنها المجاز، والمقدس، وبذلك تتحقق حالة الطمأنينة، والوسطية، مخلّصة منتج (بكسر التاء) الشعر من حدة الحياة، ومن فوضاه الزائدة ثقلاً على القصيدة .
* في مجموعتك ثمار العاصفة (برأيي) كان حضور الشعر أقوى، على عكس مجموعتك الثانية، التي كانت واضحة الشغل على حساب الروح ؟
في ثمار العاصفة، كما في الحب، كما في الشارع وفي علاقاتي مع الأهل والأصدقاء، والأصدقاء الأعداء، وكما في علاقتي مع مفردات الحياة، وأدواتها كلها، كنت ساذجاً، أو كنت من الناس الذين لا يرون في الشاعر إلا صفة الرسول، فكتبت بتلك الروح، وندمت على ذلك وقلصت دائرة الأصدقاء والنساء، والذين عبروا من خلالي إلى ضفاف أخرى وتركوني في سيرة بئر التي تفصلها ثماني سنوات عن ثمار العاصفة، اشتغلت على نصي، وعلى معرفتي، واكتسبتْ أدواتي الكثير من نظرتي لعموم تجربتي التي تحدثت عنها.
* مع ندمك، لماذا تأخرت ثماني سنوات؟
كنت أكوي روحي بنار الندم على أشياء كثيرة، وكانت روحي سميكة، ومحصنًّة بأعراف ومليئة بهياكل، كان لابد أن تلفظها خارجاً، وكان يمكن أن تمتد الثماني سنوات على عمري المتبقي، غير أن بعضهم دخل علي من باب إيمانهم بي، فورطوني ثانية، وها أنا أدافع عن نصوصي، كما أدافع عن أولادي الذين لم يولدوا بعد .
* هل أنت مع المجايلة الشعرية؟
أنا مع الشعر أولا، وأخيرا، وحين أقرأ قصيدة لا يهمني عمر قائلها، ولا الفترة الزمنية التي عاش فيها، بل انسحب كليا إلى الحساسية التي يحققها، والمناخ الذي يطبعني بطابعه،ويجعلني أسيرا له .
* ومع من، من شعراء الجزيرة، من جيلك، وغيره تتقاطع وتتقارب؟
مساحات الخلاف معدومة بيني وبينهم جميعا، وليست هناك حروب لا صغيرة، ولا كبيرة، يجمعني بهم قوة هائلة من الحب والاحترام، نتقاطع لأننا نتشابه في ثقافتنا، وقراءتنا، وحتى في لقاءاتنا السرية مع نسائنا المؤجلات، في البساتين أو في البيوت المهجورة ليلاً.
* لم تجب عن السؤال، يبدو أنك تتهرب، ومحرج فكلهم أصدقاؤك، سأحاول أن أعطيك بعض الأسماء واسمع رأيك بصراحة، طه خليل – إبراهيم اليوسف – أديب حسن محمد – عيسى الشيخ حسن – أحمد الشمام – عبد البركو – احمد حيدر – إبراهيم حسو؟
طه خليل شاعر بامتياز، قُرئ جيداً منذ مجموعته (قبل فوات الأحزان)، يكتب عن المكان بطريقة مذهلة، ولا بد أن يشطب القارئ ملاحظاته عليه – إبراهيم اليوسف : شاعر مهم، يهتم بلغته، لكنه برأيي، ينزاح عن الشعر، لمواضع أخرى، أتمنى ألا نخسر شاعراً نحبه، مهما كان الذي سنكسبه – أديب حسن محمد : له تجربة، لا يركن للمنجز وهو يطور أدواته، وبدأ يكتب بحساسية جديدة وخاصة به،أحسده على وحدة قصيدته -عيسى الشيح حسن: لا غبار على شاعريته، يضع قصيدته بحب، ويحافظ على توازناتها، وهذا ما يجعل متلقي إبداعه أن يتبعه دائما دون تكلف – إبراهيم حسو: مشاغب في كتاباته، أمين، مخلص، لعلاقته مع سليم بركات – عبد البركو : احد كتاب قصيدة النثر الجميلين لكنه تراجع قليلا لصالح البحث في التراث – أحمد الشمام : جميل، ويمتلك أدوات شعرية وذكاء، لكن طبيعته المؤسسة على التشتت تحد من شاعريته، فهو يود قول كل مايريد دفعة واحدة – أحمد حيدر : يجب أن أحبك، أصدر هذه المجموعة وكأنه يريد أن يختفي مع أنه يكتب بشفافية طيبة أرجو أن ينتبه: أنه شاعر .
* ماهي طقوس الكتابة لديك؟
ليس لدي تصورات مسبقة، أوما أهيئه، أؤمن بمقولة الشاعرة البريطانية (بريجيدا ووكر) تقول بما معناه : (أنا لا أسعى للمنضدة لأكتب، هي التي تسعى إليّ) وعلى هذا، وخارج طغيان شياطين الشعر، فليس هناك ما يميزني عن أحد، إلى أن تأتي اللحظة الشعرية المباركة وعندها أتحول إلى شخص متمايز عن الآخرين، فج ونزق،على عكسي دائماً.
* لو لم تكن شاعرا، ماذا تفضل أن تكون؟
بعض من سئل هذا السؤال، تمنى لو كان عمود كهرباء، أومدفأة، أو طيارا، أو حفار قبور، أما أنا سأكون أي شيء، باستثناء الذي له صلة قرابة مع الكتابة .
* كلمة أخيرة توجهها إلى قراء قاسيون؟
لا بد أن أبدي إعجابي بقاسيون، وخاصة مؤخراً، يمكن أن أعدها من أفضل الصحف في سورية، لمهنيتها، وحرفيتها في التعامل مع المواضيع المهمة، آخر نتاجاتي: (نزيل الغوايات) مجموعة سأورط بحب قرائي بها.