رائد وحش رائد وحش

ربّما! مهنة التعليم

كلما تذكرت أنني معلم، في غمرة النسيان اللذيذة، تخطر على بالي أغنية عبد الحليم: (قدرٌ أحمق الخطى).

الآن، وافتتاح المدارس موشك، والعام الدراسي يتأهّب للدخول، لا أجد ما أمنّي به النفس سوى إعادة أمنية تعود إلى أيام الدراسة، وما تزال مستمرّة عبر الأجيال: نشوب حرب طاحنة، وسقوط صاروخ على المدرسة!
صحيحٌ أنّ تجربتي في المدارس، كما هي تجربة أي معلم آخر، حافلة بلحظات إنسانية لا تنسى، صنعها أطفال لا يعرفون شيئاً غير أن يصنعوا لحظات لا تنسى، مع ذلك أنا قلِق، لأني سأعود إلى الروتين ذاته، أعيد الدرس ثلاث أو أربع مرات في اليوم، وأيضاً للتشتت بين مطالب أهالي التلاميذ، وبين منهاج متحجر، يستخف بعقول الجميع، و قلق من بؤس الكادر، إذ دائماً ما يجلبون لنا أنصاف المتعلمين بالوكالة، لينسفوا ما بنيناه، ويولوا مدبرين في اللحظات الحرجة.
لقد علمتني التجربة أن فكرة المعلم لم تعد تعني شيئاً في هذه الأيام، فلن أكون أرسطو، ولن أخرّج من في مستوى الإسكندر المقدوني، لذا يجب إيقاف الوهم، فالمعلم في بلادنا مجرد قربان، لا أكثر، إن فعل المطلوب منه طولب بالاجتهاد، وإن اجتهد وخرج سنتيمتراً واحداً طولب بالالتزام، وبعيداً عن ذلك، هو مضطر لإيجاد عمل إضافي يقيم أوده، كأن يسوق سرفيساً، أو يفتح بقالية، بعد الدوام، وكل ذلك يعني مزيداً من التكسير لصورة المعلم كشخصية طليعية، ورجل من رجال الصف الأوّل في المجتمع، كلهم يرددون ما قاله أحمد شوقي: (قم للمعلم وفه التبجيلا/ كاد المعلم أن يكون رسولا)، وأنا أردد معارضة إبراهيم طوقان الذي جرّب المهنة وخبرها: (شوقي يقول وما درى بمصيبتي/ قم للمعلم وفه التبجيلا/ اقعد فديتك هل يكون مبجلاً/ من كان للنشء الصغار خليلا/ لو جرّب التعليم شوقي مرةً/ لقضى الحياة جهالةً وخمولا).
شيءٌ واحدٌ فقط ينقذني من التذمر، ويقودني إلى التفاخر بمهنتي، فقط لأنها آخر المهن الشريفة.