مطبّات صُنع في مجلس الوزراء!
على غير عادتها، قفد تنبهت حكوماتنا المتعاقبة بعد طول غفلة، إلى حجم الهدر والفساد الهائلين اللذين يمارسان نتيجة العمل بنظام قسائم المحروقات، فقامت كل من لجنة الخدمات واللجنة الاقتصادية بعقد الاجتماعات وتوجيه التوصيات للحكومة، وأوصت لجنة الخدمات بجلستها التي عقدت بتاريخ 28/01/2003 كما أوصت اللجنة الاقتصادية بجلستها رقم 8 بتاريخ 09/02/2003، بضرورة إلغاء العمل بنظام التعامل بقسائم المحروقات، فاستجاب رئيس الحكومة السابق لهذه التوصيات وأصدر القرار رقم (13/ م.و) بتاريخ 02/04/2003 الذي قرر بموجبه أنه على جميع الوزارات والمؤسسات والإدارات والجهات العامة كافة إعداد ما يلزم لإلغاء العمل بنظام التعامل بقسائم المحروقات بدءاً من تاريخ 01/01/2004، كما كلف القرار الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (المحروقات) بإقامة محطات وقود وفق متطلبات الجهات العامة وتشغيلها.
إلى هنا، والقرار يبدو جيداً، فقد صدر بعد دراسة من لجنتي الاقتصاد والخدمات في الحكومة، اللتين يجب أن تكونا قد بينتا في دراستيهما لرئيس الحكومة الأسباب الموجبة لهذا القرار والجدوى الاقتصادية من إلغاء التعامل بنظام القسائم.
ولكن بتاريخ 03/12/2003، أي بعد ثمانية أشهر من صدور القرار الأول، أصدر رئيس الحكومة الجديد قراراً آخر برقم (54/ م.و)، قرر فيه تعديل بدء العمل بإلغاء نظام التعامل بقسائم المحروقات الوارد في المادة (1) من قرار رئيس الحكومة السابق رقم (13/ م.و)، بحيث يصبح بدءاً من تاريخ 01/07/2004 بدلاً من 01/01/2004، أي أن القرار قد عدّل المادة الأولى فقط من القرار (13) ولكنه أبقى على المواد الأخرى التي تقول إنه على الوزارات والمؤسسات إعداد ما يلزم لتنفيذ مضمونه، وأبقى على تكليف شركة (المحروقات) بإقامة محطات وقود وفق متطلبات الجهات العامة وتشغيلها.
ولكن منذ ذلك التاريخ إلى الآن، لم نجد أن القرار قد نفِّذ، ولا محطات وقود أقيمت وفق متطلبات هذا القرار، ومايزال التعامل بقسائم المحروقات هو السائد.. فهل صدر قرار ثالث أجّل العمل بالقرارين السابقين، أو ألغاهما؟ ونحن لا نعلم أم أن القرارين السابقين كانا مجرد (قرارات لغو)، لن تؤاخذ الحكومة عليهما أمام الله والناس؟..
ولكن إذا كانت رئاسة الحكومة الجديدة قد وجدت أن القرار (13) لرئيس الحكومة السابق غير صائب، فلماذا لم تلغه في حينه؟ ومن المسؤول عن هدر الأموال الطائلة التي من المفترض أن تكون قد صرفت لإعداد ما يلزم لتنفيذه؟ هذا في حال تم صرف الأموال؟ وفي حال لم تصرف مخصصات لإعداد محطات وقود وإعداد ما يلزم من الجهات طوال تلك الفترة التي كان فيها القرار ساري المفعول، فإما أن يكون هناك توجيهات شفوية، لتلك الجهات بـ(تطنيش) القرار، وإما أن الجهات العامة وشركة المحروقات تنظر إلى قرارات الحكومة النظرة نفسها التي تنظرها الحكومة إلى توصيات مجلس الشعب..