«خمسين ليرة» لو سمحت!!
فعندما يطلب القاضي، أو كاتب المحكمة، أو رئيس ديوان أو دائرة ما، إضبارة الدعوى، لا يقبل أن يستدعي الموظف الذي وُظِّف لهذه الغاية، ويأمره بجلب الإضبارة، ويكتفي بالقول: «جيب آذن»، أي عليك أن تبحث عن هذا الموظف من محكمة إلى أخرى، ومن طابق إلى آخر، وقد تستعين بمحامي أو أكثر لكي تجده، وربما تقف أكثر من ساعة وأنت تبحث عنه.
المهم أنه بعد طول المعاناة، يخرج هذا الآذن من بين الجموع الغفيرة، مرهقاً ومتعباً، تحاول أن ترمي عليه السلام، لكنه غالباً لا يرد السلام، بسبب الضغط الكبير الذي يتعرض له، إذ تجد حوله لفيفاً من المحامين والمواطنين، وكل واحد منهم يريد منه جلب إضبارة من خزانة المحكمة، إلى المرجع الذي طلبها، والغريب أن المسافة غالباً ما تكون بين الخزانة وقوس المحكمة هي بضعة أمتار، ولكن لا مهرب من حتمية اللجوء إلى هذا الموظف، لأنه وبكل بساطة لا يقبل أيُّ كاتب أو موظف في دائرة، ما أن يقف على قدميه ويمشي هذه الأمتار القليلة. وإذا كانت الإضبارة في طابق، والمرجع الذي طلبها في طابق آخر، فأنت حتماً في ورطة كبيرة، لأن طلبك صعب في هذه الحالة، والآذن قد يرفض تلبيتك بسبب الضغط عليه، وصعوبة المهمة الموكلة إليه!!
على كل الأحوال، إذا كنت من الأشخاص المعروفين لدى هذا الآذن، (ويدك طرية)، فلا مشكلة، حيث اعتاد المحامون والمراجعون على دس خمس وعشرين ليرة في جيب الآذن لجلب الإضبارة، وإلا فلن يحصل على هذه الإضبارة أبداً!!
وفي الآونة الأخيرة لم تعد الخمس والعشرون ليرة تكفي، فأصبح جواب الآذن عند جلبه الإضبارة: «خمسين ليرة لو سمحت»!!..
جلست مع أحد هؤلاء الأذنة، في أحد المرات، وسألته: «كم إضبارة تجلب للمراجعين والمحامين في اليوم الواحد»؟؟ فكان رده: «كتير، ما يقارب المائة إضبارة». فعاودته: «هذا يعني أنك تحصل على ما يقارب 5000 ليرة في اليوم!»، فسكت ولم يعلق.
ولكنني هنا لا بد لي أن أعلق، فهذا الآذن يحصل شهرياً، على ما يزيد عن مائة ألف ليرة سورية، عدا عن راتبه الشهري، أي أنه يحصل على راتب سبعة مدرسين، أو سبعة موظفين، أو سبعة عمال..
بقي أن أقول: إننا لا نريد أن نجلب الإضبارة بأنفسنا، ولا نريد أن نرهق الكاتب أو الموظف بجلبها، بل نريد حلاً لهذه المشكلة بممارسة الرقابة الفعالة، على هؤلاء الأذنة، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة زيادة رواتبهم، وإلا سوف نبقى تحت رحمة من يقول: «خمسين ليرة لو سمحت»!!.