«الأولى بلدي.. والثانية بلدي.. والثالثة بلدي»
توفي الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم أحد رموز الشعر السياسي في العالم العربي وأحد أهم شعراء العامية في مصر، في منزله بالقاهرة عن عمر 84 عاماً. يعتبر «نجم» ليس فقط جزءاً من الثقافة الوطنية الشعبية المقاومة بل أحد ثوار الكلمة القلائل في الفن والشعر العربي..
يؤكد في المقدمة التي كتبها لـ«الأعمال الشعرية الكاملة» التي صدرت عن دار «ميريت» عام 2005: «أنا في الأصل عاشق تراب بلدي، ومتعمشق في ناس بلدي مصر المحروسة، ومتواعد مع الحلم الإنساني هنا، على شط بحر البحور وسيد الأنهار النيل الخالد، وباطلب من الله، ولا يكتر على الله، إنه يمد في عمري كمان فترة زي رؤساء الجمهورية بتوعنا لحد ما شوف بعيني مصر الخضرا بتغني للحب والزرع والحصاد، والعالم كلو بيسمع ويقول : كمان يا ست كمان».
يوصف الشاعر الراحل نفسه في اللقاء الذي خص جريدة قاسيون به عام 2009 «أنا شاعر الحواري..». عندما حضر أحمد فؤاد نجم إلى سورية لإحياء الحفل الجماهيري الذي أقيم في صالة الجلاء احتفالاً بالذكرى الخامسة والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي السوري، حضر «العم نجم» ومعه، ذكرياته القديمة والأقل قدماً، حضر أشخاص، ومواقف وأحداث، لعل أبرزها كان حضور الحارة الشعبية، كيف لا وهو لا يكفّ عن الحديث عن شخوصها، وعن انعكاس الأحداث الكبرى عليها، لأنها، باختصار، أهم مصادر تجربته الشعرية، حكاياته لا تنتهي .. يبدأ بها ويسير متنقلاً من موقف إلى آخر، معبراً عن المهمشين والمتعبين والفقراء في الشارع العربي والمصري على وجه الخصوص. قال «الفاجومي» (كما يُسمى): «لأنني أعيش بينهم، وهذا اختيار. كان لدي فرصة، ولا تزال موجودة، في أن أذهب إلى الشاطئ الآخر، لكن هذا لن يحدث. أنا فخور بكوني لسان أهلي وصوتهم في البكاء والشكوى وفي الفرح إذا حدث. وقد شرفوني في السنة الأخيرة بلقبين: (سفير الفقراء في الأمم المتحدة)، و(أبو المصريين)، وقد اخترت اللقب الثاني. لأني أشعر أنني أبو المصريين حقّاً».
حدثان أثرا في كل مسيرته الشعرية وشكلا منعطفاً قلب وجهته، الأول كان نكسة 67 غير المتوقعة، ثم جاءت صداقته مع الشيخ إمام الذي سحره بأستاذيته كعواد ومغن.. وهو الحدث الثاني، في تحوله «من شاعر غنائي إلى شاعر مناضل» حسب ما يؤكد في أحد لقاءاته. منذ البداية مع أغنية «أنا أتوب عن حبك» وجاء بعدها الكثير من الأغاني المختلفة التي قدموها للإذاعة.. هذا كله قبل النكسة ومن بعدها جاء التحول، والسير في المشروع الفني السياسي الذي يعرفه متابعوه. إلى أن تحولت هذه الأغاني في وقت ما، لسان حال حركة التحرر العربية بأكملها، يرددها كل المهتمين في الشأن العام على مساحة الوطن العربي، وصار ذكر الثنائي نجم وإمام يعني أننا أمام أغنية تقدمية، يسارية الطابع، شعبية الهوى، خارجة من قاع المجتمع لتقول أحلام الفقراء..