ربّما! اليوبيل الذهبي لمجلة ذهبية

تستحق مجلة «العربي» الاحتفاء الكبير الذي نشهده في مختلف المنابر، هذه الأيام، بمناسبة إشعالها الشمعة الخمسين من عمرها؛ لأنها مجلة الأجيال ومرآة لنصف قرن عربي بكل ما فيه من تحولات وتناقضات وقضايا، فقد واكبت المجتمع العربي الحديث منذ مرحلة ما بعد الاستقلال، لتسير معه في منعطفات حياته الكبرى، فخاضت في وحول النكسة، وبذلت قصارى الجهد للخروج من ذلك النفق، عبر نهجها العقلاني الذي عمل على إبراز الجوانب المضيئة، ونقد العلل التي تعوق النهوض، واللحاق بركب الحضارة الإنسانية.

ولكن ما الذي جعل «العربي» تحوز على هذه الجماهيرية، وهذا الحب بالإجماع؟ ألمجرد أنها حافظت على صدورها مدة خمسين عاماً لم تغب خلالها إلا عاماً واحداً عند الاجتياح العراقي للكويت؟ أم لأنها مجلة فاخرة، وفي الوقت عينه، ذات سعر رخيص نسبياً؟ كل هذه الأسئلة لا طائل من ورائها، فالأسباب الكامنة وراء ملوكية هذه المجلة أبعد بكثير..

أهم الامتيازات هو استقلاليتها، فلم تلوثها أية صبغة ضيقة، لا، ولم تكن بوقاً تابعاً لأية مشاريع سياسية تسعى إلى تصدير نفسها، حتى أن رئيس تحريرها السابق أحمد بهاء الدين قال، ذات مرة، ما معناه، إنه لولا ذلك السطر النحيل الذي يشير إلى أنها تصدر عن وزارة الإعلام في دولة الكويت لما شعرنا أنها مطبوعة حكومية على الإطلاق.

ومن أسباب شعبيتها الدور الكبير الذي لعبته في اكتشاف المدن العربية، كما تجولت في أصقاع العالم، ما جعل القارئ موعوداً مع كل عدد برحلة مبهجة في باب «استطلاع العربي».. كما أنها اهتمت بالمرأة والطفل والشباب، وأفسحت مساحة واسعة للفكر العلمي، محاولة تبسيط العلوم بحيث يفهم القارئ العادي أسسها وخطوطها العريضة، وأبرزت التجارب الفنية والأدبية، وعملت على إدارة حوار بين المثقفين العرب، والأهم أنها دأبت على إصدار كتاب دوري يضم مجموعات متنوعة لكاتب واحد، أو موضوعا واحداً تتناوله عدة أقلام...

مع إشعال الشمعة الخمسين للعربي، ننظر حوالينا فنرى مجلات كثيرة هنا في سورية، تصدر عن وزارة الثقافة واتحاد الكتاب والنقابات... لكنها من دون أي طموح ثقافي إلا ملء جيوب القائمين عليها.

مجلة العربي مثال يحتذى، ليس لأنها كانت شريكتنا منذ أولى محاولاتنا لاقتحام عالم الثقافة الذي يحاول الكثيرون، أفراداً ومؤسسات، إبقاءه مغلقاً أو ضيقاً، بل لأنها في المقام الأول كانت وما تزال مشروعاً حقيقياً للتنوير والتنوع والحوار والقبول بالرأي الآخر، على الرغم من كونها نمت وترعرعت في محيط هو غاية في التخلف والإلغاء والتسلط، وهذا أحد الأسباب الأساسية لاعتبارها واحدة من الجزر القليلة على امتداد المحيط العربي الواسع التي يجد فيها من يريد التعبير فرصة ومنبراً..

■ رائد وحش

 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الأحد, 04 أيلول/سبتمبر 2016 12:30