ربما صحافة الـ «ستوك»
في مقارنة الكتابة الصحفية بمهن أخرى سترى أن النجار يهلك وهو يجمع خشبة إلى أخرى، وقبل انقصام ظهره بين المطرقة والمنشار، يكون باب. والحلاق يصاب بالدوالي من وقوفه الانتحاري على إخراج الزبون بأجمل ما يكون. والدهان تتقطع منه الأنفاس، ومن وخز روائح المواد الكيماوية، بينما يبحث عن لون يناسب روح البيت الذي يطليه. أما كتبة الجرائد فيتسلون بتحبير أوراق لا تعني أحداً، لا شكلاً ولا مضموناً، حتى جعلوا من الصحافة بضاعة مغشوشة غير صالحة للاستهلاك البشري، والغريب أنها تمر دون عوائق من التموين!!
مقالات الكتب ما هي إلا مقتطفات عشوائية من الكتب نفسها، لا يتورع كتابها عن لحام هذه القطع بأدوات العطف، فقط لا غير، وحين يقع الكتاب بين يديك تتبين أن المقالة المنشورة عنه ليست أكثر من مقاطع مسروقة دون ذكاء، وكأن العين قلبت الكتاب وانتقتها اليد، دون أن تكون هناك قراءة تقنعك بفنية العرض.
في السينما والمسرح يعاد حكي الحكاية، ولا تعطى الشخصيات والبناء الفني أية أهمية، إنك تتلقى الأحداث بشكل ملخص، دون أن توضع كلمة (لماذا) إزاء كل خطوة أو موقف، ناهيك عن تجاهل التقنيات في الصورة، وطريقة الإخراج، وكأن العمل الفني مجرد حكاية تروى وحسب.
أنكى الكتابات تلك التي تدخل عالم الفن التشكيلي، فتشعر قارئها بالغباء أمام عدم قدرته على فك الألغاز والشيفرات الطلسمية، فإلى الآن لا أستطيع فهم (الحراك اللوني الكثيف) و(صراع الأشكال الفوراني).. إلى آخر الهذيان. مع أن التشكيل يقف على الضفة الأخرى للغة، ويحاول زعزعة كيانها بحيث تصبح الرؤية العينية طريقة التخاطب.
لا نحتاج هذه البضاعة لأنها، بمنطق اقتصاد السوق، لا تقدر على إغرائنا كبضائع أخرى، في صحف أخرى، بمواصفات قياسية، ولها مميزات النخب الأول.
■ رائد وحش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.