طارق عبد الواحد طارق عبد الواحد

الحلقة الأخيرة لمسلسل «سنوات الضياع»: بناءً على طلبات المشاهدين الأعزاء!!..

يبدو مفهوماً، الآن على الأقل، أن تعمد الإستديوهات اللبنانية إلى دبلجة المسلسلات المكسيكية في تلك السنوات المنصرمة. حتى الرطانات، التي تسللت باللغة العربية الفصحى، كان من الممكن استقبالها من زاوية أخرى، زاوية البهجة والتسلية، ومن ثم إعادة بثها عبر نكات وصياغات طريفة. وهكذا كان في مقدورنا، أن نفهم قدوم «كساندرا» إلى تلفزيوننا الوطني، بعد اضطلاع تلفزيون الـ إل. بي. سي، بذلك الدور التاريخي الذي تمخض عن دبلجة مسلسلات كثيرة، مثل: «معاً إلى الأبد»، و «أنت أو لا أحد»، و «غودا لوبي» وغيرها..

المسلسلات المدبلجة، من زاوية ما، ليست عملاً ضد التاريخ، حتى وإن كانت «كساندرا» تتكلم اللغة العربية الفصحى، على الطريقة الأموية. ويمكن تثبيت ذلك مرة أخرى، ليست عملاً ضد التاريخ، أو على عكسه، حتى ولو قال التاريخ إن «كساندرات» كثيرات قدمن إلى القصور الأموية، والعباسية فيما بعد، وعلّمن الخلفاء أنفسهم كيف يلحنون ويرطنون، لتحكمنا الرطانة ذاتها فيما بعد! وقد يبدو مقبولاُ، بالنسبة لي على الأقل، أن مبرر ذلك هو.. الجمال. جمال نساء طاغٍ. يحلو لي الآن أن أفكر، أنه كان ولا بد جمالاً اسبارطياً.. مليئاً بكل ذلك العنف!..

عودة إلى الدبلجة، إلى أي حد يمكن اعتبار ما قامت به الاستديوهات اللبنانية أمراً صادماً؟ أظن أن الصدمة كانت في حدودها الدنيا. رغم أن اللبنانيين والـ (إل. بي. سيين) ذهبوا إلى ما وراء البحار ليعودوا إلينا بتلك المسلسلات الطويلة. وهذا ليس ضد الجغرافيا بالمناسبة، طالما أن اللبنانيين، ومنذ وقت طويل، عبروا إلى ما وراء المحيطات، إلى أمريكا الجنوبية على الأخص، واستوطنوا هناك، وأقاموا مجتمعات لبنانية فاعلة وحاضرة في المشهد السياسي والثقافي والاقتصادي، في بلدان مثل: المكسيك، البرازيل، والأرجنتين، وغيرها..

بل إن الإحصائيات تقول إن لبنان المهجري أكبر من لبنان اللبناني، واللبنانيون المهجريون ظلوا على علاقة مع الوطن، علاقة أكبر من علاقة حنين مع التبولة والكبة النية. علاقة مع لبنان ـ الاستراحة، لبنان ـ الوقت الفائض لممارسة السجالات، وعلى نحو أكثر إيلاماً، لبنان ـ المكان المناسب لمزاولة التقوقع والارتداد. تخيلوا.. اللبنانيين الذين ينفتحون على كل المجتمعات الأخرى في العالم، يعودون إلى لبنان لممارسة نبش رماد الحرب الأهلية، وبعث تناقضات الصيغة اللبنانية. مساكين.. اللبنانيون الذين حلموا بلبننة العالم، فآلوا إلى عولمة لبنان، ولعله بهذا فقط نفهم ظاهرة المسلسلات المكسيكية المدبلجة..

ولكن .. ماذا عنا، نحن السوريين؟!..

ما الذي دفعنا هذه المرة إلى الباب العالي، إلى الجارة القربية: تركيا. الجارة التي نكاد لا نعرف عنها شيئاً. المثير.. أن المسلسلات المكسيكية إياها وفدت إلينا بأسماء شخصيات مكسيكية. «كساندرا» أو غوادلوبي» ليسا بأي حال اسمين لبنانيين، ولكن هل يستطيع السوريون أن يعرفوا، أو يفطنوا، أو يقترحوا مجرد أسماء تركية لأبطال مسلسل «سنوات الضياع» مثلاً؟! فعلاً ما هو الإسم التركي لـ «يحيى» أو لـ «لميس».

جارة قريبة جداً، لم ندخل بيتها يوماً، ولا نعرف حتى مجرد أسماء أبنائها. جارة سكنت بيوتنا أربعمئة عام فقط، ثم رحلت، وظلت تطل على فنائنا الخلفي (يا للتعبير!!..) ولم نلتف إليها ولو مرة لنقول لها: إنه فناؤها..

أيضاً لم نلتفت لنقول لها: صباح الخير..

أذكر أنني قرأت المناهج، وتقدمت إلى امتحاناتها، عندما كان فتحاً عثمانياً، وفيما بعد تغيرت المناهج لتصفه احتلالاً. أما مسلسلاتنا الوطنية فقد اعتادت على تقديمه على أنه احتلال همجي، أو فاسد. احتلال يكاد يُختصر ببضعة دركيين يتجولون في أحياء دمشق القديمة، وفي كل مسلسل يُغتال دركي، أو أكثر..

ثمة جارة، تطل على فنائنا الأمامي، ونلتف لنقول لها بملء الفم: صباح الخير.

حقاً، إنها سنوات الضياع. 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الأربعاء, 14 كانون1/ديسمبر 2016 15:13